الفرحة قوتٌ؛ عند الله -وحده

الفرحة قوتٌ؛ عند الله -وحده لا شريك له- خزائنها، وبيده وحده -مقيتًا حسيبًا- أسبابها، ما قسَم لقلب عبدٍ منها نصيبًا فهو لاقيه، من ذا الذي يمنع الجبار شيئًا أراده؟

تلك العقيدة هي “عصانا” التي نتوكأ عليها -الليلة- في إسعاد أسرانا، ونهش بها على أوجاعنا -فيهم- فتسَّاقط، ولنا فيها من عظيم الرجاء لهم مآربُ أخرى.

إن أعظم أسباب الفرحة نفسيةٌ قلبيةٌ، وآكدُها ما بعد عن أسباب الأرض فدنا من أسباب السماء؛ إذا عرفت هذا فلا تسل عن قهقهات الأسرى -خالصةً من أرواحهم- وهم في أغلالهم مقيدون.

سُئلت أعرابيةٌ: أيُّ بنيكِ أحبُّ إليكِ؟ فقالت: صغيرهم حتى يكبر، وسقيمهم حتى يُشفى، وغائبهم حتى يعود. كيف برحمة خير الرحمن بعباده عجزةً فقراءَ محاويجَ؟! أم كيف بها إذا صاروا أسرى وإن بلاءهم لهو البلاء المبين؟! إنها -والله- لرحماتٌ رحْباتٌ، “مَا شَهِدْنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا”.

نحن قومٌ مساكين؛ نبتغي لأسرانا عافية الحياة العاجلة؛ أما الله فيأخذ من عافيتهم لهَوْل يومٍ ثقيلٍ؛ تبصِّرهم ظلماتُ السجون زيفَ أضواء الدنيا، وتهديهم مضايقُ الزنازين إلى رحابة الدار الآخرة.

كم من خيرٍ نشتهي بلاغه إليهم فنعجز! أما الله فبالغٌ أمرَه، غالبٌ عليه؛ يَنفذ أمرُه إلى عقولهم مضطربةً فيملؤها سكينةً، ويلج إلى أفئدتهم فارغةً فيعمرها طمأنينةً؛ لطيفًا لما يشاء.

لِيمنعِ المشركون عنهم ما شاؤوا من طعامٍ وشرابٍ وكساءٍ ودواءٍ، ذلك المتاع الذي يضر فقدُه أبدانهم؛ فهل لأسوارهم إلى حجب رحمة الله بهم حيلةٌ؟ أم لأسلحتهم في صد خفايا لطفه فيهم وسيلةٌ؟ فإن رحمته لهي الغاية، وإن لطفه لهو المنتهى؛ حتى ليحسدهم سجانوهم على ما يغمرهم من الغبطة والحبور، مما لا تعرف نفوسهم في الدنيا طعمه، ثم هو يوم الحاقة عليهم حرامٌ.

لئن نسيت فلا أنسى تعانق الأزواج في زيارات السجون؛ مشهدٌ يمسُّه قولُ الله: “يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ”، كنت أرى في عيون إخوتي من بريق الحب؛ مثلَ الذي أرى بوجوه الكفار من حريق الغيظ، حتى لأرجع إلى زنزانتي راضيًا مسرورًا؛ رأيت ربي هو يُسعد ويُبئس؛ جلَّ ربي قديرًا.

بأول تعليقٍ مواساةٌ لنسائهم، يرجو قلبي ربي أن يبلغهن واحدةً واحدةً؛ إن ربي رفيقٌ كريمٌ.

أضف تعليق