أخي الحجَّام؛ اخلع البالطو، أنت

أخي الحجَّام؛ اخلع البالطو، أنت لست طبيبًا.

الحجامة من سنن نبينا -صلى الله عليه وسلم- الشافيات، نزل بها من السماء -مع الصلاة- ليلة المعراج؛ الصلاة عطاء الله -تعالى- لأرواح عباده، والحجامة هديته -سبحانه- لأبدانهم.

لكنَّ الحجام -على ما يُيسر الله به من خيرٍ- ليس طبيبًا يفحص المرضى، ويكشف عن الداء، وينعت الدواء، ويوصي بالتحاليل، ويطالع الأشعة، ويأمرهم بكذا، وينهاهم عن كذا.

ليس هذا تحقيرًا لك -صانك الله وزانك- أخي الحاجم، ولقد احتجمتُ وحَجَمتُ -ولله الحمد- كثيرًا؛ لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من تطبَّب ولم يُعلم منه طبٌّ؛ فهو ضامنٌ”، ومعنى “تطبَّب” تكلَّف الطب وليس له، ومعنى “فهو ضامنٌ” أي عليه ما أتلف من نفسٍ أو عضوٍ أو مالٍ.

كم حدثني مرضى -كنت أحجمهم- عن حجامين تطببوا فيهم؛ هذا أمرهم ونهاهم، وذاك بكذا وكذا أوصاهم! وأكثر هؤلاء لا يعرف عن شيءٍ في هذا شيئًا، لكنَّ الفهلوة حرفة من لا حرفة له.

رأيت أحدهم يطالع تحاليل مريضٍ؛ فبحلق فيها -بعينٍ دون عينٍ- كأنه بُقْرَاطُ أو يزيد قليلًا، ثم جعل يرفع رأسه ويخفضها كطبيبٍ عَرَكَته التجارب، ثم جمجم بكلماتٍ لم يُخلق لها فاهمٌ سواه، ثم أدهش فقال: الموضوع بسيط؛ شوية “مكترأنخيهعح” في الدم -نعم هكذا- وهتنزل بالحجامة.

عامة الناس جهلاء مساكين، ويعظم جهلهم ومسكنتهم إذا ابتُلوا فضعفوا وعجزوا؛ فالواجب -حينئذٍ- تقوى الله فيهم مزيدًا، لا أن يُخدعوا ويُدلَّس عليهم، وأقبح هذا ما يكون على اسم الله ورسوله؛ ذلك بأن الحجامة لم تزل -عند أكثر الناس- من بركة نبيهم الذي يذكرونه في الكُرَب، وبسنته يلوذون.

أما كشف بعضهم عورات المرضى بلا سببٍ طبيٍّ يبيح لأهله هذا؛ فخزيٌ ثانٍ، في ذاكرتي من دواهيه ما يندى له جبين الحياء خجلًا. ربنا أفرغ علينا فقهًا وارحم بنا عبادك وتوفنا مؤدَّبين.

أضف تعليق