#في_حياة_بيوت_المسلمين. “تبسمك في وجه أخيك

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

“تبسمك في وجه أخيك صدقةٌ”؛ كيف بها في وجهَي أبويك؟!

تمسك إحداهن بدُميتها فتبتسم في وجهها الجامد، وأحدهم يجود بابتسامته على الأقارب والأباعد؛ فإذا دخلا على أولى الناس ببهجتهما عبسا، فإن لم يعبسا لم يتبسما؛ أولئك الفقراء المحرومون.

قد أعلم أنه ليس كلُّ عبوسٍ من عقوقٍ، وأن بعضه من فرَط الشواغل والهموم، وأن منه ما لا يُقصد صدقًا؛ لكنَّ ولدًا يعرف افتقار فؤادَي أبويه إلى ضَيِّ ناظريه ثم يضنُّ به عليهما؛ شحيحٌ قلبه.

كيف إذا كان يحسن تكلُّف هذا لمصلحةٍ من مصالح نفسه ومعاشه إحسانًا عجبًا؟ ويقول: الضرورة!

أما نبلاء الأبناء فينفقون على قلوب آبائهم من سماحة نفوسهم وإن بهم ما بهم؛ أولئك فقهاء النفوس، الخبراء بالحقائق، العالمون كيف يثيب الله؛ على الكريم -وحده- جزاؤهم وهو خير الشاكرين.

إني لأطيل النظر إلى وجه أمي -نائمةً- خوفَ أن تنام قبلي نومةً أخيرةً، ولقد كنت أقول لنفسي -في السجن-: لعل زمانك الذي تقضِّيه هنا اضطرارًا هو مجموع زمانٍ بعُدت فيه عن والدتك اختيارًا.

أما تلك التجاعيد المجيدة في وجهها المشرق؛ فعلَّام غيوب القلوب -وحده- يعلم ما فتكُها في قلبي.

أيها الطيبون؛ كونوا بررةً أوفياء، بررةً أوفياء كونوا، لا أحقَّ بإحسانٍ من جوانحكم وجوارحكم -بعد الله ورسوله- من آبائكم. لقد أقام الله الحجة على قلوبنا جمعاء في معاملة المحبوبين؛ فنحن مع من نحب -من أزواجٍ وأبناءٍ وأصحابٍ- على أحوالٍ مرضيةٍ؛ فمن أولى بعطاء قلوبنا من آبائنا؟ وإن خير العطاء ما كان على جَهد الأنفس وتقطِّع الأنفاس، “وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ”.

تلك الوالدة التي تتجهَّم -كبيرًا- في وجهها ويعطف قلبك من يعطف على التبسم لها؛ لم يوصها ربٌّ ولا نبيٌّ بالتبسم لك، ولو أوصياها -حاش لله ورسوله مثل هذا- ما وجدت على طاعةٍ عزمًا.

بل بشرها الله بحملك فتبسمت، وكلما آمنك الله -في بطنها- تبسمت، ومهما يشق حملك على كل شيءٍ فيها تبتسم، ويوم وضعتك -وهي أقرب إلى الآخرة من الدنيا- تبسمت، وليلةً بتَّها باكيًا -وهي ذات وجعٍ- تبسمت، وأخرى سهرتها مريضًا -وراحتُها مشتهاها- تبسمت. ولو قيل لها -يومئذٍ- احتسبي جَهدك عند ربك؛ لقالت: وإن لم أحتسب شيئًا. لا يخطر على قلبها أنك تكافؤها كبيرًا، ولا ترجو على عطائها جزاءً ولا شكورًا؛ بل تحنو -كلما تحنو- لك، لك أنت، أنت وحدك، لا مزيد عليك.

ذلك الوالد الذي تحاسبه -اليوم- على ما ضاق من خلقه واحتدَّ من طبعه فتكْلَح في وجهه؛ كان حسبُه -بالأمس- إذا رجع من عمله -وقد كدَّ ما كدَّ وأُهين ما أُهين- أن يراك فيبتسم، كانت ابتسامتك ما يهوِّن عليه كَبَدَ العيش في بلادٍ أهون ما عليها رجالها، كم ذاق فيها -أو بغيرها إذا اغترب- ما ذاق لأجل الإنفاق عليك! وما إنفاق ماله بأغلى مما أنفق من نفسٍ وكرامةٍ وعافيةٍ، كل ذاك لتبتسم أنت. أنت ما أنت كيف أنت ويحك! انظر إليه مبتسمًا في وجهه؛ أثابك الله نظرًا إلى وجهه الكريم.

أضف تعليق