ليلتان بالمشفى بثمانية آلاف جنيهٍ!

ليلتان بالمشفى بثمانية آلاف جنيهٍ!

قلت في نفسي وللطيبين أحبتي أحبَّهم الله:

ما حيلة مسكينٍ لا يجد نفقةً لوجعه في هذه البلاد؟!

لعن الله الفجرة الطواغيت المستبدين بالمال، وأمكن من رقابهم.

تحاليل، ونقل كيس دمٍ واحدٍ، وأشعَّةٌ، ومنظارٌ، وأدويةٌ يسيرةٌ، ومبيتٌ، ومُرافقٌ؛ هل تتكلف هذه الأشياء هذا المال جميعًا؟! كيف بالمحتاجين إلى أكثر من هذا وزمانًا طويلًا؟!

خرجت بمعافاة الطيب الطبيب سبحانه وبحمده، وكان أمر المال بمنته -تعالى- هينًا ميسورًا.

قرحةٌ بالمعدة وأخرى بالاثنا عشر؛ فضلٌ من الرحمن كبيرٌ، له الحمد -وبكل نعمةٍ- وعليه الثناء.

لا أشكو ربي -علا وتعالى- إلى عباده، وإن آلاءه -وهابًا منانًا- لوافرةٌ متواترةٌ، تحوطنا -بالغاتٍ سابغاتٍ- عن الأيمان والشمائل، ولست أرى هذا من البلاء في شيءٍ، بل أولو البلاء غيرنا؛ الذين في السجون، والمرابطون على ثغور الإسلام، وأصحاب الديون، ومظلومون مستضعفون، وزَمْنَى في أسقامهم، ومُعْوَزون محرومون، وآخرون حاجاتهم في صدورهم لا يجدون لها قضاءً.

لكني أغتنم هذا القدَر الكريم من ربٍّ رحيمٍ؛ لأجدِّد البراءة من المشركين الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، ولألعنهم بلعنة جبار السماوات والأرض ومن والاهم، ولأذكِّر بفقراء المسلمين وما لهم علينا -في هذه الحال العسِرة- من حقوقٍ مضاعفةٍ، حسبنا الله وإياهم ونعم الوكيل.

أذكر أن شيخًا من خِرَقِ الطواغيت القذرة قال -أيام الثورة-: إنها ثورةٌ على الثروة. يصد الناس بهذا الإفك اللئيم عنها، ويُخفِّضهم لرفعة من يعبد من دون الله؛ كأن هذا المأفون المغبون لم يسمع دعاء كليم الله -صلى الله عليه- “رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ”.

انظر كيف وضع نبي الله موسى -عليه السلام- المال موضعه مرتين؛ مرةً حين وصف الداء، ومرةً حين نعت الدواء! هذا مقام أولئك السادة النبيين، لا حضيض هؤلاء العبيد المناكيد.

فلولا هذا المال الذي يستبد به الطغاة من دون الناس؛ ما كانت حربهم على الإسلام كذلك؛ “رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ”؛ ذلك المال الذي يكون به من أنواع الإغراء والإغواء، ومن صنوف الرَّغَب والرَّهَب، ومن جُمَل الإعزاز والإذلال، بل من الحياة والموت؛ ما يكون، تلك قوةٌ قضى الله بها في المال، لا عزاء للدراويش وسحقًا للخائنين.

لذلك دعا اللهَ -جلَّ جلاله- عليهم أن يطمس أموالهم، وطمسُها إهلاكها بأسبابٍ نسأل الله أن يكتبنا بين يديها، أو تغييرها عن هيئتها فلا يهلكون بها الحرث والنسل، ثم دعا بالشدَّ على قلوبهم.

لقد نهانا الله أن نؤتي سفهاءنا أموالنا، وشرع ما شرع في المال كي لا يكون دولةً بين أغنيائنا، هؤلاء السفهاء والأغنياء من المسلمين؛ فكيف لنا أن نتركه نهبًا لأعدائنا من المجرمين؟

وجعل ربنا جزاء المسلم إذا سرق مالًا قطع يده، ومن يغصبونه حرابةً “أَن يُقَتَّلُوآ أَوْ يُصَلَّبُوآ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ”؛ كيف بحرامية الطواغيت وأعوانهم؟

ألا إن الفقر بريد الكفر، وسببٌ لما بين يديه من الضلال والبغي والفسوق عظيمٌ؛ فأغنانا الله من فضله ورسولُه، وطمس بأسبابنا أموال الطُّغمة المفسدين، وقضى بنا حوائج عباده المؤمنين.

أضف تعليق