يا عباد الله وحده لا

يا عباد الله وحده لا شريك له؛ لا تدعوا من هذا الكلام حرفًا إلا تدبرته قلوبكم.

قولٌ نفيسٌ مهيبٌ أخَّاذٌ بمجامع القلوب والعقول؛ للإمام أبي الوفاء بن عقيلٍ رحمه الله.

نقله عنه حبيبنا الأسير أبو فهرٍ المسلم؛ أحسن الله إليه بالنجاة من السجن، والأحرارِ أجمعين.

“لقد عظم الله ابن آدم؛ حيث أباحه الشرك عند الإكراه!

فمن قدَّم حُرمة نفسك على حُرمته؛ حتى أباحك أن تتوقى عن نفسك بذكره بما لا ينبغي له سبحانه؛ لحقيقٌ أن تعظم شعائره، وتوقر أوامره وزواجره.

وعصم عرضك بإيجاب الحد بقذفك، وعصم مالك بقطع يد مسلمٍ في سرقته، وأسقط شطر الصلاة في السفر لأجل مشقتك، وأقام مسح الخف مقام غسل الرجل إشفاقًا عليك من مشقة الخلع واللبس، وأباحك الميتة سدًّا لرمقك وحفظًا لصحتك، وزجرك عن مضارِّك بحدٍّ عاجلٍ ووعيدٍ آجلٍ، وخرق العوائد لأجلك، وأنزل الكتب إليك.

أيحسن لك مع هذا الإكرام أن يراك على ما نهاك عنه منهمكًا؟ ولما أمرك تاركًا؟ وعلى ما زجرك مرتكبًا؟ وعن داعيه معرضًا؟ ولداعي عدوه فيك مطيعًا؟

يعظ وهو هو! وتهمل أمره وأنت أنت!

حطَّ رتبة عباده لأجلك، وأهبط إلى الأرض من امتنع من سجدةٍ يسجدها لأبيك.

فإن لم تعترف اعتراف العبد للمَوالي؛ فلا أقلَّ من أن تقتضي نفسك للخالق -سبحانه- اقتضاء المُكافئ المُساوي.

ما أفحش تلاعب الشيطان بالإنسان!

بيْنا هو بحضرة الحقِّ، وملائكة السماء سجودٌ له؛ تترامى به الأحوال والجهالات؛ إلى أن يوجد ساجدًا لصورةٍ في حجرٍ، أو لشجرةٍ من الشجر، أو لشمسٍ أو لقمرٍ، أو لصورة ثورٍ خارٍ، أو لطائرٍ صَفَرٍ.

ما أوحش زوال النعم! وتغير الأحوال! والحَوْر بعد الكَوْر!

لا يليق بهذا الحييِّ الكريم الفاضل على جميع الحيوانات؛ أن يُرى إلا عابدًا لله في دار التكليف، أو مجاورًا لله في دار الجزاء والتشريف، وما بين ذلك فهو واضعٌ نفسه في غير موضعها”.

أضف تعليق