قال: يا أبتِ؛ متى بلوغ

قال: يا أبتِ؛ متى بلوغ الروح شفاءَها من فهم كلام ربها؟

قال: يا بني؛ ساعة رؤية وجه الله في جواره؛ هي ساعة الرِّي من كلامه.

قال: متعك الله بهما يا أبتِ؛ هل في هذا إشارةٌ من القرآن؟

قال: وإياك يا بني؛ نعم؛ كثيرةٌ هي الإشارات فيه من القرآن، ومن السنة.

تدبر هذه؛ “وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ”؛ فلم يكن بعد تكليم الله عبده موسى من شفاءٍ وكفاءٍ لقلبه؛ إلا رؤية الوجه الكريم.

كذلك لما قال الله عن كلامه: “إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ”؛ أتبعه بقوله: “وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ”.

كذلك جمع الله بين المكذبين بكلامه، وبين حَجبهم عنه، فقال: “كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ”، بعد قوله: “إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ”.

حتى رؤية الله في الجنة؛ تكون بعد كلامه، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “إذا دخل أهل الجنة الجنة؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى”.

قال: الآن أفهم -يا أبتِ- قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “ربما طالعت على الآية الواحدة نحو مائة تفسيرٍ، ثم أسأل الله الفهم، وأقول: يا معلم آدم وإبراهيم علمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة ونحوها، وأمرِّغ وجهي في التراب، وأسأل الله تعالى، وأقول: يا معلم إبراهيم فهمني”.

قال: يا بني؛ أولانا بالنظر إلى وجه الله الكريم غدًا؛ أوفانا حظًّا من كلامه اليوم، يا بني؛ إلى ساعةٍ ليس قبلها مثلُها، في جوارٍ ليس بعده مثلُه؛ تبقى أرواحنا ظامئاتٍ تهفو إلى الغاية من كلام الله.

أضف تعليق