دخلت المقابر مرةً لدفن ميتٍ،

دخلت المقابر مرةً لدفن ميتٍ، فلما عاينتها ارتاعت نفسي، ثم ذكرت قول أبي الطيب فأنشدته:

أينَ الأكاسرةُ الجبابرةُ الأُلى ** كنزوا الكنوزَ فما بقينَ ولا بقُوا

مِنْ كلِّ مَنْ ضاقَ الفضاءُ بجيشهِ ** حتى ثوى فحَواهُ لحدٌ ضيقُ

خُرسٌ إذا نودوا كأنْ لمْ يعلموا ** أنَّ الكلامَ لهمْ حلالٌ مطلَقُ

ثم رجعت إلى نفسي موبخًا لها: مالكِ -هنا- وللمتكبرين؟ إنما جئتِ للموعظة، فإذا ذكرتِ الجبارين وأشباههم في هذا المقام؛ هان عليكِ -بعظائم جناياتهم- ما اقترفتِ أنتِ وتقترفين من الآثام.

إن للشيطان في كل موعظةٍ نهشةً، وإن من نهشاته هنا إشغال النفس بغيرها؛ ليَضيع عليها الانتفاع بالموعظة أو يَنقص، والعاقل من شغلته نفسه أول شيءٍ فبدأ بها، ثم ليذكر بعدها من شاء.

أضف تعليق