#في_حياة_بيوت_المسلمين. في حجرة نومه الهانئة؛

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

في حجرة نومه الهانئة؛ كان أحمد يتلو سورة النساء، يُطبِّب بأَشْفِية القرآن أدواء نفسه وزوجه سمية، حتى إذا بلغ منها قول ربه سبحانه: “وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا”؛ سألته سمية باسمةً مستبشرةً: حدثني حبيبي عن اسم ربي المقيت، فكأني أسمعه أول مرةٍ، مسح أحمد على رأسها بيمينه، وأدنى جبينها من وجهه، وقبَّلها بين عينيها قبلة حفاوةٍ وإكبارٍ، ثم رفع رأسه إلى سقف الحجرة مغتبطًا راضيًا وقال: المحمود الله -يا سميتي- بما قسَم لي من كريم إيمانك، وأُثني عليه بما وصلني به من ودِّك وقربك وإحسانك، لقد سألت حبيبتي عن عظيمٍ لا أعظم منه، وإنك لأَولى بالامتلاء من عرفان الخير مني ألف مرةٍ، فإنك أوصل بذريتنا وأقرب، وإنه لا يفيض عنا إلا ما تمكن منا، وإني لأرجو الله أن يمكن منك العلم بصفاته وآياته وأحكامه، فتفيضين على أبنائنا من كل ما حشاك به فيضًا جميلًا جزيلًا.

حليلتي؛ المقيت هو الذي يقوت خلقه أجمعين (فيما ظهر منهم وما بطن) بأقوات الربوبية، ويقوت المؤمنين (في قلوبهم وأعمالهم) بأقوات الألوهية، يبسط في نوعَي الأقوات ويقبض بعلمٍ وحُسبانٍ وجَمعيةٍ، ويختار لكل شيءٍ (من خلقه وأمره) ميقاته الزماني والمكاني بحكمةٍ عليةٍ؛ علا الله وتعالى.

قالت سمية وقد ألقت برأسها بين كفيه: زدني بيانًا -يا صاحبي- زادك الله إيمانًا ورحمةً ورشدًا.

قال أحمد: الرب هو الإله خليلتي؛ الربوبية أعم والألوهية أعظم، الرب خالق الخلق جميعًا ومدبر أمورهم باطنةً وظاهرةً، والإله هو مألوه المؤمنين (معبودهم) الذي يتألهونه حبًّا وخوفًا وطمعًا.

إذا اعتقدت ذلك كذلك؛ فللربوبية عطاءاتٌ وللألوهية عطاءاتٌ، عطاءات الربوبية للخلق جميعًا، من أزله إلى أبده، أصغر ذرةٍ فما دونها إلى أكبر مجرةٍ فما فوقها ما عقل من ذلك وما لم يعقل، وعطاءات الألوهية للمسلمين لله -من دون العالمين- تباركت أحديته؛ أرأيت سعة الربوبية وجلال الألوهية؟!

لسان أحمد يسكب المعاني وعينا سمية تجودان بالدمع، لم يزل الحديث عن الله أخَّاذًا بفؤاديهما -من قديمٍ- ليس كمثله في حياتهما حديثٌ، قالت المحبة ربَّها: ابسط لي مزيدًا أحمدي؛ بسط المنان لك.

قال أحمد الهدى والندى: يا سمية؛ بأن الله مقيتٌ أوجد خلقه جميعًا، وبأنه مقيتٌ يمدُّ كل شيءٍ فيهم بأقواته الخاصة، تلك الأقوات التي يكون بها محياهم ومماتهم وبعثُ ما شاء الله منهم، يقبض الله منها ويبسط خبيرًا حسيبًا، فما بسط له من الخلق في الأقوات قوَّاه بها وأبقاه، وما قبض عنه أضعفه أو أفناه، كل ذلك في الدنيا والآخرة، وبأن الله مقيتٌ يقوت من آمن به بأقوات الإيمان النظرية (العبادات الباطنة) والعملية (العبادات الظاهرة)، فيبسط ويقبض في الحب والخوف والرجاء وما إلى ذلك من منازل القلوب، ويبسط ويقبض في الصلاة والجهاد والبر وما إلى ذلك من طاعات الجوارح، وبأن الله مقيتٌ يختار لكل شيءٍ من خلقه وأمره (شرعه) ميقاته الزماني والمكاني عليمًا حكيمًا، فإن لكل شيءٍ من الخلق والأمر زمانًا ومكانًا، في السماوات والأرض وفيما بينهما؛ تبارك الله مدبرًا محيطًا مقتدرًا.

قالت سمية: عرَّفك الله وعرَّف لك حبيبي، قال أحمد: قد عرفت الأولى فما “عرَّف لك”؟ قالت: ألم تسمع قول الله جلَّ وعزَّ: “سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ”؟ فإن مجاهدًا صاحب عبد الله بن عباسٍ -رضي الله عنهم أجمعين- قال فيها: “يهتدي أهل الجنة إلى بيوتهم ومساكنهم، وحيث قسَم الله لهم، لا يخطئون، كأنهم سكانها منذ خُلقوا، لا يستدلون عليها أحدًا”؛ هَمَلَتْ مقلتا أحمد بدمعٍ منهمرٍ، قال: وإياك حبيبتي في فردوسها الأعلى، لا أغلى منك ولا أحلى؛ جعل الله “القرآن” رحمًا بيننا أبدًا.

لَمَى وحمزة ولداهما يطرقان باب حجرة النوم طرقًا عنيفًا: “يا بابا .. يا ماما”، يشكو كلٌّ منهما أخاه، فتحت سمية الباب هرولةً، فإذا حمزة آخذٌ بشعر لَمَى يجرها إليه، ولَمَى تبكي حاضنةً لعبتها ناشبةً فيها أظفارها، التقطهما أحمد من الأرض جميعًا -كأنهما قطعةٌ واحدةٌ- وكوَّرهما في السرير يقبِّلهما ويزغزغهما حتى نسيا شأنهما يقهقهان من ملاعبة أبيهما، التفت إلى سمية فإذا هي تضحك مسبحةً بحمد ربها، قال أحمد: الله الله! كأن الله -يا جميلة- إذ بصَّرنا باسمه المقيت معنىً؛ أبى إلا أن نشهده حقيقةً، ألا إن لَمَى وحمزة وما فعلاه من أقوات الربوبية، وإن تسبيحك بحمد الله بعدما كان من حديثٍ عنه -سبحانه- من أقوات الألوهية؛ نبوء لك اللهم بجميع أقواتك، ونستعين بها على مرضاتك، تقول سمية مثل قوله، ثم تذهب إلى المطبخ تعد لزوجها وولديها من أقوات الربوبية عَشاءً شهيًّا.

أضف تعليق