قال: أسعدك الله بطيبات المعاش والمعاد جميعًا يا أبت؛ من أسعد الناس بالدنيا؟
قال: أسعد الناس بالدنيا عبدٌ يعيشها يومًا بيومٍ، هذا الفاقه عن الله حكمه “كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ”، وعن الرسول حكمته “لكن أجوع يومًا وأشبع يومًا”، لا يُغرقه صفاؤها سرورًا، ولا كدرُها غمًّا، بل هو كما أراد الله شرعًا فيما أنزل وقدرًا فيما قضى؛ “لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَآ آَتَاكُمْ”.
فيومٌ علينا ويومٌ لنا ** ويومٌ نُسَاءُ ويومٌ نُسَرْ
ما مضى فاتَ والمؤمَّلُ غيبٌ ** ولكَ الساعةُ التي أنتَ فيها
دارٌ متى ما أضحكتْ في يومها ** أبكتْ غدًا قبحًا لها منْ دارِ
هيَ الحياةُ كما شاهدتها دولٌ ** منْ سرَّهُ زمنٌ ساءتهُ أزمانُ
يا بني؛ تدبر هذه عن الله فإنها حسبك في المقام بيانًا؛ “إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا”؛ انظر كيف أتبع الله هذا الوصف الكلي السالب “لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا”، بهذا الوصف الكلي الموجب “وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا”؛ ما زاد في رضاك بالحياة الدنيا وطمأنينتك بها نقص من رجائك لقاء الله، وما نقص من رضاك بالحياة الدنيا وطمأنينتك بها زاد في رجائك لقاء الله.
يا بني؛ طلاب ثبات الدنيا على مسراتها قومٌ مجانين؛ كيف يثبت لهم ما لو لم يتحول عن غيرهم ما صار إليهم؟! أولئك الذين لا تبصر عقولهم إلا حين يكشف الله بالموت غطاءها؛ أعاذنا الله.