قال الحجاج لعجوزٍ: لأقتلن ولدكِ، قالت: إن لم تقتله مات.
لم يفهم الحجاج حكمة العجوز؛ لأن الطغاة لا يفهمون الرموز.
منْ لمْ يمتْ بالسيفِ ماتَ بغيرهِ ** تعددتِ الأسبابُ والموتُ واحدُ
اللهم إني أصبحت أشهدك، وأشهد حملة عرشك، وملائكتك، وكتبك، وجميع خلقك؛ أنك عليمٌ حكيمٌ؛ لا تقضي بشيءٍ سُدًى، ولا تقدُر أمرًا عبثًا، وأن أفعالك جامعةٌ جليلةٌ جميلةٌ؛ سبحانك وبحمدك.
إني لأرى جمهرةً من الناس يوقظ الله -بهذه المقادير- قلوبها للإسلام وعقولها للقضية، فأتباشر بفضل الله وأستروح برحمته، وأقول: الله الله! الآن الآن تنبهوا لما خُلقوا لأجله، الحمد لله بكل شيءٍ.
يا إخوتاه؛ إني لأقرأ قدر الله ذلك كذلك؛ يسَّر الله بشيءٍ قضاه نفرًا من المؤمنين به للجنة بأعظم أسبابها “الشهادة”، ويسَّر بالشيء نفسه لها جماعةً من الناس -بما بعث من خوامد بشريتهم، وحرَّك من سواكن ربانيتهم- فوالَوا الشهداء على قضيتهم العادلة المُثلى “لا للطاغوت ولا للطغيان”، وعادَوا عدو الله وعدوهم في سبيلها ابتغاء وجه ربهم الأعلى، وهل أشرفُ من هذا للفردوس سببًا؟! “الولاء والبراء”، الترجمة الصادقة لشهادة التوحيد، والبرهان الأكبر لإيمان القلوب؛ “مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ؛ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ”، ويسَّر بالشيء نفسه لجهنم أممًا من الناس؛ من قتل ومن قضى ومن أعان ومن رضي، ومضت سنن التدافع بأهلها لا تتحول؛ بسم الله مجريها ومرساها.
اليوم امتحن الله قلوب طائفةٍ للتقوى، فازدادت به إيمانًا وفيه يقينًا، وقالوا: ما كَذَبنا الله ورسوله من الأمر شيئًا؛ هذان الحق والباطل، وهذا مشهدٌ جديدٌ من مشاهد الدفع بينهما؛ رضينا بالله وبالرسول.
اليوم استخرج الله أضغان قلوب طائفةٍ كانت تحسب أن لن يُخرج الله أضغانهم، أكلُّ هذه الأورام الخبيثة كانت في جسد الأمة يا رب؟! ما ضعفُها إذًا بعجيبٍ ولا عجزُها بغريبٍ؛ آمنا بالدين وبالقضية.
اليوم تتهيأ للجنة من الناس طائفةٌ، وتتهيأ للنار طوائف، كل ذلك بقدرٍ واحدٍ؛ رباه أبقنا لك مسلمين.