أطول آيةٍ في كتاب الله ليست في العقائد، ولا في النُّسك؛ أطول آيةٍ في كتاب الله في المعاملات.
لست بالذي يتصور الفصل بين العقيدة والنُّسك والمعاملة، وقد مزج الله بين الثلاثة -في القرآن كله- مزجًا عجبًا، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يفكِّكوه لا يستطيعون ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا.
قال الله تعالى: “فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ * وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ”، فجعل الذي فرَّط في نُسك الصلاة هو من لم يصدق بالله ورسوله أصلًا، وهو الذي يتبختر في معاملة الناس فرعًا.
لا فصل بين العقيدة والنُّسك والمعاملة في الإسلام، إنما يعتقد الفصل بين الثلاثة مرجئٌ دميمٌ وعالمانيٌّ ذميمٌ، من حسُنت عقيدته حسُن نُسكه، ومن حسُن نُسكه حسُنت معاملته، ومن ساءت معاملته ساء نُسكه، ومن ساء نُسكه ساءت عقيدته، يسوق الباطنُ الظاهرَ سوقًا لازمًا، ويفعل الظاهر في الباطن فعله، لكن الله جعل -على ذلك- أطول آيات كتابه في المعاملة؛ فإن المعاملة أطول أبواب اشتغال العباد في الدنيا، وآثارها فيما بينهم أطول الآثار، حتى تستطيل إلى موضع “القنطرة” قبل الجنة وبعد الصراط يوم القيامة، والقنطرة محلُّ القصاص بين المؤمنين يُنقَّون فيها من مظالم معاملاتهم بعدما جُوزوا بعقائدهم ونُسكهم في عرصات القيامة وفي الصراط، أما أثار المعاملة بين المؤمنين في نُسكهم وعقائدهم فأطول من أن يُختصر بيانه هنا؛ لذلك كله -وغيره- كانت أطول آيات القرآن في المعاملة.