أيها المحزونون بإعراض الناس عنكم

أيها المحزونون بإعراض الناس عنكم إذ تُمَسِّكون بالإسلام؛ هلمُّوا إلى هذه:

“فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”.

أربعٌ أمر الله العليم الخبير -علا وتعالى- نبيه البشر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقولها؛ إذا انصرف عن شِرعته المنصرفون، وأعرض عن منهاجه المعرضون، لا أنْجَعَ منها دواءً؛ جلَّت كلمات الله.

ما علاقة الحسبلة والتهليل والتوكل والعرش؛ بالتولي والإعراض؟! أستعين الله مولاي على الجواب.

“حَسْبِيَ اللَّهُ”؛ إن توليتم عني فإن الله هو كافيَّ وحدَه؛ يكفيني بصفاته وأقواله وأفعاله، في نفسي وفي دعوتي وفيمن آمن بي؛ يصدِّقني فلا يضرني تكذيب المكذبين، وينصرني فلا يحزنني خذلان الخاذلين، “حَسْبِيَ اللَّهُ”؛ كفى بربي وليًّا وكفى بربي نصيرًا، “حَسْبِيَ اللَّهُ”؛ من وجد الله فماذا فقد؟!

“لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ”؛ إن توليتم عني فكفرتم بالله؛ فإن الله “لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ” في نفسه، و”لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ” في خلقه، و”لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ” في أمره، و”لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ” في المؤمنين به كافةً، و”لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ” في معتقدي.

“عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ”؛ إني لم أكن معتمدًا عليكم في شيءٍ من أمري قطُّ، بل كان على الله اعتمادي، وإليه تفويضي، وبه ثقتي، وفيه يقيني، ومنه طمأنينتي، “عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ”؛ ما كنت قبل توليكم عني مُعَوِّلًا على حولكم وقوتكم؛ فأنَّى أعبأ بكم اليوم أو أبالي؟! “عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ”؛ في البدء والمنتهى؛ كفى بالله وكيلًا.

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني أيها الفُقراء الحُقراء؛ فإن معي رب العرش، ومن أنتم إذا ذُكر العرش؟! إذا كنتم لا تساوون في خلق السماوات والأرض شيئًا، “لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ”، ولم تكن السماوات والأرض في جنب الكرسي إلا كحلقةٍ في فلاةٍ، “وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ”، ولم يكن الكرسي في جنب العرش إلا كحلقة في فلاةٍ؛ فمن أنتم في جنب العرش؟!

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني أيها السافلون في حضيض الأرض ودنايا الدنيا؛ فإن معي رب العرش، وإن العرش قبة العالم، وسقف الخلائق، فكلهم تحته مقهورون، حتى إن الشمس -على عِظم خلقها وعُلوِّ موضعها- لتستقر تحته وتسجد، عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قوله تعالى: “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا”، قال: “مستقرها تحت العرش”، والفردوس الأعلى -الذي هو سماء الجنة- سقفه العرش؛ كيف عُلوُّ من على العرش استوى؟!

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني فكنتم بذلك من المتأخرين؛ فإن معي رب العرش، وإن العرش أول المخلوقات، فلا يضرني مع أوليته تأخركم؛ كيف بأولية رب العرش نفسه في أمري؟!

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني أيها الخِفاف الفارغون؛ فإن معي رب العرش، وإن العرش أثقل المخلوقات، خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عند زوجه جويرية -رضي الله عنها- بكرةً حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، فقال: “ما زلتِ على الحال التي فارقتكِ عليها؟”، قالت: نعم، قال: “لقد قلت بعدكِ أربع كلماتٍ، ثلاث مراتٍ، لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن؛ سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزِنة عرشه، ومداد كلماته”، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان”؛ فبأي شيءٍ بعد العرش تُثقلون؟!

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني فلم تؤمنوا بي؛ فإن معي رب العرش، وإن العرش تحمله الملائكة وتحفُّه مِن حوله، ولا أعظم من الملائكة في المؤمنين خلقًا وإيمانًا، “الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا”؛ وأما خلقهم ففيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أُذِن لي أن أحدث عن ملكٍ من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عامٍ”؛ فكيف بهم جميعًا؟! أم كيف بربي الأعظم بارئ العرش وملائكته؟!

“وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”؛ إن توليتم عني فكان توليكم زوالًا؛ فإن معي رب العرش، وإن العرش لا يزول، قال شيخ الإسلام رحمه الله: “وأما العرش؛ فلم يكن داخلًا فيما خلقه الله في الأيام الستة، ولا يشقُّه، ولا يفطره، بل الأحاديث المشهورة دلَّت على ما دلَّ عليه القرآن من بقاء العرش”، وإذا كان العرش المخلوق لا يزول بمشيئة الله؛ فأنَّى تزول معية الله؟! لا يضرني توليكم شيئًا ما بقي الله.

أضف تعليق