#في_حياة_بيوت_المسلمين.
يا معشر الآباء والأمهات؛ جُدُّوا في إرضاء أبنائكم بأنواع المباحات فيما تستطيعون، وتجاوزوا رضاهم إذا عارض رضا الله ورسوله، وما تجاوزتم فيه رضاهم -لله ورسوله- فبينوا لهم أسبابه بما يعقلون.
قُتل أبي في سبيل الله -تقبله الله وأعلى درجته- ونحن أطفالٌ، وتولت عامة أمرنا من الناس والدتي وحدها، وكانت أمي -رضي الله عن أمي- تشتد علينا في مواطن -ليس من أمر الدنيا؛ فما ضربت أحدَنا في مالٍ ضاع أو شيءٍ أُتلف قطُّ- ويغلب عليها الحنان والرفق في سائر أمورنا، أصابت في الشدة كثيرًا وأخطأت قليلًا، وكانت تحدثنا كثيرًا عن أسباب شدتها هذه التي تكره، مِزَاجُ حديثها دموعُها تنساب من مُقلتيها، فنصفو لها -عندئذٍ- باطنًا وظاهرًا، حتى إذا عُوتبت في هذا من أحدٍ؛ قالت قولًا حفظه عقلي صغيرًا ورضيه قلبي كبيرًا؛ إلى أن ملأ نفسي عقيدةً أثبُت عليها وأدعو إليها، كانت تقول: “قلوب أولادي مش بإيديهم، قلوبهم بإيد ربنا، بكرة ربنا يبصَّرهم أنا بشدّ عليهم في كده ليه”، فأحلف بالله لقد برَّها ربُّها فيما قصدت، وكبرنا راضين عنها رضًا ليس كمثله رضًا؛ نتذاكر ما سلف منها فينا جميعًا فنقبله جميعًا، وندعو لها به جميعًا، ونحن نحبها -إلى الساعة- كأشد ما يحب أطفالٌ أمهاتهم، ونرجو لها من كمالات المعاش والمعاد فوق ما نرجو لأنفسنا، وهي -بحمد الله ثم بحمدها- راضيةٌ عنا أجمعين، وهذا والله الستر السابغ والفضل البالغ وعطاء ربِّنا بينهما غير محظورٍ، ليس في صحائفنا -بعد الإسلام لله- ما نرجو بركاته في الدنيا والآخرة مثلُه؛ لا عاقبنا الرحمن بما نستحق في مثقال ذرةٍ من رضاها.
الفائدة معشر الآباء والأمهات؛ تحرَّوا رضا أبنائكم ما قدرتم، لكن ما تعارض ورضا الله فلا تبالوا برضاهم، وأرضوا فيهم ربَّهم ومولاهم؛ فإن الله يرضى عنهم ويُرضِّيهم عنكم، برًّا إذا يُثيب شكورًا.
تمام الفائدة؛ ما جاوزتم رضا أولادكم في شيءٍ لله ولرسوله؛ فعلموهم لم فعلتم، وكلموهم في ذلك بما يعقلون، وتحببوا إليهم -كلما فعلتم- بما تستطيعون؛ أن تُبغِّضوا الله ورسوله إليهم وأنتم لا تشعرون، كما نهى عن مثله عمر -رضي الله عنه- أصحابه يومًا، قال: “لا تُبغِّضوا الله إلى عباده”، قال قائلٌ منهم: وكيف ذلك؟ قال: “يكون الرجل إمامًا للناس يصلِّي بهم، فلا يزال يُطوِّل عليهم؛ حتى يُبغِّض إليهم ما هم فيه، أو يجلس قاصًّا، فلا يزال يُطوِّل عليهم؛ حتى يُبغِّض إليهم ما هم فيه”؛ جبركم الله فيهم أجمعين.