قال: يرحمك الله يا أبت؛

قال: يرحمك الله يا أبت؛ يحدثني الشيطان كلما اجتهدت في تهجُّدٍ أو تلاوةٍ أو برٍّ؛ أنها حُججٌ من الله تقوم عليَّ، وأني ناكصٌ بعد رمضان على عقبيَّ، وأني لا أصلح للاستقامة الراسخة على طريق الله.

قال: يا بني؛ لعن الله الرجيم ورحمك؛ إنما ذلك الشيطان يخوِّف فؤادك الثبات، ويعدُ نفسك الزيغ، ويناجي عقلك بعجزك ليَحْزُنَك، يا بني؛ لا أَشقَّ على الشيطان من نهوض قلبك إلى ربك وقد كدَّ في إغوائه عن إرضائه طَوال العام، يا بني؛ إن الله لا يقدُر الشر إذا قدَره إلا لخيرٍ، كيف إذا قضى الخير “عبادتَه”؟! أم كيف إذا قضى خير الخير “عبادتَه في رمضان”؟! أم كيف إذا قضى خير خير الخير “التقربَ إليه بالنوافل”؟! أفجزاء إحسان الله إليك أن تسيء الظن برحمته التي أدناك بها إليه وأدخلك بها عليه؛ فتُطاوع الشيطان على نجواه؟! يا بني؛ إن للشيطان خبرةً بالنفوس عامةً، وخبرةً بنفس كل عبدٍ خاصةً، وإن مما خبر في نفسك ثغرةٌ عظيمةٌ لا تخفى على وليِّك، فأنَّى تخفى عليه وهو أعدى عدوِّك؟! “قِصَر نَفَسك”، وكفى بها ثغرةً، منها ينفذ إليك اللعين كلَّ نشاطٍ إلى خيرٍ، ويتدسَّس إليك كلَّ أَرْيَحِيَّةٍ إلى معروفٍ، يا بني؛ أطل أنفاسك يردَّ الرحمن كيد الشيطان إلى الوسوسة، وينكص هو على عقبيه مذءومًا مدحورًا، يا بني؛ لقد أراك تمشي إلى الله على أشواك فتنٍ ليس كمثلها أشواكٌ، وما على الماشي إلى مولاه سوى ارتقاب هرولته، يا بني؛ إذا حدثك الشيطان أنك تتولى؛ فقل له: قد شهد قلبي ما لا يغيب عنه طوعًا واختيارًا، وذاقت روحي ما لا تفرِّط فيه محبةً وإيثارًا، وإني إن توليت من بعد ذلك قليلًا -وأعوذ بالله- فإني لا أبرح المسير؛ قد هيأت مراكبي، وجهَّزت حقائبي، وإني مهاجرٌ إلى الله.

صاح الفتى: اخسأ يا ملعون فلن تعْدُو قدْرك، إني ذاهبٌ إلى ربي سيهدين، عليَّ البدء وعلى الله التمام، قد سمعني الله وسمعته؛ سمع شكواي نفسي إليه، وسمعت جوابه إياي؛ “وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ”.

أضف تعليق