يسألني إخوةٌ في الخاص؛ هل

يسألني إخوةٌ في الخاص؛ هل تكفر الدكتور مرسي؟

يا أحبتي؛ ربَما يحسب كثيرٌ منكم لغلبة الرفق على خليقتي بحمد الله ورحمته؛ أني أخشى أن أصْدَع بما أراه حقًّا لسببٍ من الأسباب، فمن ظن بي هذا فقد أساء إلي وبغى علي، ثم هو لا يعرف عني شيئًا.

لو كنت أكفر الرجل -رحمه الله وعفا عنه- لصَدَعْت به جهارًا نهارًا بغير جمجمةٍ ولا إدهانٍ، لا أخاف فيما أعتقد -بحول الله وقوته، لا حول لي ولا قوة- لومة لائمٍ؛ أعاذنا مولانا من هيبة الخلق في الحق.

حُزني على مقتل الرجل الطيب -أجل؛ قتلوه سلبًا لا إيجابًا- دينٌ أتدين به لله، ودعائي له بالمغفرة والرحمة عقيدةٌ جاريةٌ في كل مسلمٍ مات على الإسلام؛ كيف بمن قتله الطواغيت بعدما أوسَعُوه أذىً!

لا أشك في محبة محمد مرسي لله وللرسول، كما أحلف أنه كان يريد بالإسلام والمسلمين خيرًا، مع حفظه لكتاب الله، وعفة يده، وحسناتٍ له لا تخفى على منصفٍ بصيرٍ؛ ملأ الله قبره عليه نورًا.

ذلك كله شيءٌ، ومبالغة عامة الناس في تعظيمه حتى جُعل -على حين غفلةٍ من الدنيا- رمزًا للحق وللثورة؛ شيءٌ آخر، هذه -يا إخوة الحقِّ والحبِّ- تُرَّهَاتٌ وسَمَادير، أجهر بدفعها وإن نَخِرَتْ أنوفٌ.

للدكتور مرسي -غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر- من كل سيئات الإخوان المنهجية كفلٌ بقانون الله والذين أوتوا نصيبًا من العقل، ثم له ما له من مخازي السوء العقدية القطعية المجمع عليها ما له.

لا أذكر الآن منها شيئًا -مكتفيًا بالإشارة- وإن كنت أعلمها جميعًا، وَعَتْها منه أذناي ورأتها منه عيناي ولم يرجع عنها في جلاءٍ كما باء بها في جلاءٍ؛ شريعةَ الله وميزانَه في مثلها من مثله إلى يوم الدين.

لا أقول بكفر الرجل عياذًا بالله ما دمتُ ذا دينٍ ونظرٍ ثبتني الله، وأدفع القول بكفره بالراحتين والصدر، وأتأوَّل له بقرائن أحواله فيما قال وفعل من مناطات الكفر، وأستغفر الله له منها استغفاري لنفسي.

قال قائلٌ منكم: ما يحملك على ذكر ذلك والهَوْل هائلٌ؟ قلت: تطرُّفُ الجمهرة الغفيرة من الناس في ترميزه، وما خلعوه عليه من صفات الجمال ونعوت الجلال، وليس ذلك الحقَّ الذي علَّمَناه الله وألزَمَناه.

لقد رأى الله وجع كبدي لما بلغني نبأ مقتله، وسمع ضراعتي له في صلاتي؛ لا أقوله إرضاءً لمن لا ينفعون في الدارين شيئًا ولا يضرون؛ بل أداءً لحق مسلمٍ مات غريبًا في سجون المشركين لعنهم الله.

شكر الله لعبده محمدٍ ثباته على رفض الحكم العسكري حتى الممات، وغفر له -بما ذاق من أهواله- ما تسبب به فيه؛ ذلك حقُّ الدعاء له، وإنه لأشدُّ الناس في برزخه فقرًا إلى مغفرة الله له هذه الجناية.

إن من دلائل نبوة نبينا عليه السلام؛ قولُه يوم مات ولده فقال بعضهم: كُسفت الشمس لموت إبراهيم: “إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته”؛ يبطل الباطل من “أصحابه”؛ صلى الله عليه.

وجدت في نفسي على أخي الشيخ إياد لمَّا لم يدْع للرجل بالرحمة، وقلت: لو دعا له لكان خيرًا وأقومَ؛ ولكني لا أتهمه في دينٍ ولا مروءةٍ، ولا أصفه بما وصفه به بعض الأحبة؛ بل أراه رأيًا من الآراء.

سُئل أخٌ عن الدكتور إيادٍ، فقال: “جهاديٌّ كيوت”؛ فسبحان الله ممن يسعهم انتماء الناس إلى الإخوان وهم المنحرفون -في مواجهة الجاهلية- طريقةً وخليقةً؛ ثم يضيقون بانتماء رجلٍ إلى الجهاديين!

سبحان الله! يبقى العجب ما بقيت الدنيا؛ ليت الذين وسعت صدورهم مرسي وأردوغان وأشباههم -على ما قارفوه من الخطايا العقدية والعملية- تتسع لنا صدورهم، فيتجاوزون لنا عن عُشْرِ خطاياهم.

لن أنسى يوم نَكَصَتْ “حلا شيحة” على عقبيها، فأغلظ القول لها بعض الأحبة بحقٍّ؛ كيف ثارت ثائرة الناس عليهم، وقلت سبحان الله! ما بال هؤلاء ضاقوا عما احتملوه لحلا! وجواب عقلي أن “حلا” أحلى.

أرأيتم إلى صبيٍّ معتلٍّ جريءٍ على الله كتب يقول: “العزاء الذي فيه “رغم” و”لكن”؛ عزاء القِحَاب”! كبُرت كلمةً عند الله وعند الذين آمنوا؛ بل إحقاق الحق مطلقٌ لا تقيِّده حالٌ، على الرأس والعين.

ماذا على من رأى موجة الغلو في الرجل -رحمه الله- عاليةً؛ فابتغى إحكام الأمر فاستدرك بشيءٍ مع الدعاء له! والقطع أنه لا مجال -هنا- لحزب الزور الخونة المجرمين، ولا لعَبَدة خنثى الطواغيت.

مرَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- بامرأةٍ تبكي ولدَها عند قبره، فقال لها في بلائها: “اتقي الله واصبري”، فقالت قولًا كالذي يقوله كل عاطفيٍّ إلى يوم البعث: إليك عني؛ فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي.

إني لو كنت أُحسن الخرس عن الباطل؛ ما سُجنت مرارًا، ولا أُخرجت من داري، ولا طُوردت محرومًا من أهلي شريدًا في الأرض؛ لا أشكو الله إلى خلقه تواترت آلاؤه؛ بل رحمته واسعةٌ وفضله الكبير.

يا أرباب الرسالة والحق، يا أصحاب القضية والهمِّ؛ “كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ”؛ لا تكونوا عن اليمين وعن الشمال عِزِينَ، وعليكم بالقصد والاعتدال؛ ثبتكم الله.

هذا منشورٌ لا أخاطب به المجاذيب الدراويش الذين يدورون مع رموزهم دوران الحُكْم على العلَّة، كما لا أخاطب به الغالين في حكمهم؛ بل أخاطب به شُداة القصد والمرحمة؛ حفظنا الله فيهم حتى نلقاه.

ربنا اغفر لعبدك محمدٍ ما تقدم من ذنبه وما تأخر، واجعل كُربة محنته التي مضت وغُربة ميتته التي انقضت؛ كفارةً له، وعوِّضه عما لاقى من الطغاة نعيمًا يجبر كسوره جميعًا؛ أنت خير الراحمين.

أضف تعليق