حرفٌ أختصُّ به الأوفياء منكم.

حرفٌ أختصُّ به الأوفياء منكم.

أيُّكم سعى في شكر موسى النبي -صلى الله عليه- كما ينبغي له!

ألا إن لكليم الله علينا حقًّا أعظمَ مما يخطر على كل قلبٍ؛ لولاه لكانت الصلوات الخمس التي يفرِّط أقوامٌ في كَمِّها فلا يصلُّونها جميعًا، ويفرِّط آخرون في كَيْفها فلا يصلُّونها على وجهها؛ لولاه -عليه سلام الله- لكانت خمسين، ولتركها عامة المنتسبين إلى الإسلام لا طاقة لهم بها؛ فنحمدك اللهم على رسولك.

في ليلة المعراج زمانًا وفي السماوات العُلا مكانًا؛ كانت رأفة كليم الله مزاجُها رحمة خليل الله، والتقى اللطف على عطفٍ قد قُدِر، ما إن عرف موسى من أخيه محمدٍ -صلى الله عليهما وسلم- أنه أُمر بخمسين صلاةً؛ حتى قال له على الفور: “إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاةً كل يومٍ، وإني والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة؛ فارجع إلى ربك، فسله التخفيف لأمتك”.

خمسَ مراتٍ تاماتٍ .. كرَّر الكليم خمسَ كلماتٍ بيناتٍ .. آبَ بهن نبينا إلى ربنا خمسَ أَوْبَاتٍ! حتى صارت الخمسون خمسًا؛ تخفيفًا من ربٍّ بضعفنا عليمٌ، ولو شاء ربنا -علا وتعالى- لجعلها خمسًا أول مرةٍ؛ لكنه قدَرُه الأكرم الأمثل؛ ليكشف عن مواهب عطائه في أفئدة أنبيائه؛ له الحمد وعليه الثناء.

“إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاةً كل يومٍ”؛ إنه موسى الذي رأى تجِلِّيَ الإلهية للجبل شهادةً؛ أفلا تتجلى له حقيقةٌ بشريةٌ على الغيب! لذلك واجه بها أخاه محمدًا صُراحًا دون تلجلجٍ لحظةً واحدةً.

“وإني والله قد جربت الناس قبلك”؛ لا يشك موسى في فضل محمدٍ عليه مثقال ذرةٍ؛ لكنه لا يتردد في إفادته بتجربته الدعوية طرفة عينٍ، وذلك حق الإيمان والحب، وهو ما استحق حَلِفَه بالله عليه.

“وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة”؛ إن نبيًّا كلمه الله كِفاحًا لحَرِيٌّ أن يُتأمَّل كلامه أجمع؛ “وعالجت بني إسرائيل”؛ جعلهم جميعًا شيئًا واحدًا عَصِيًّا كابد ممارسته، “أشد المعالجة”؛ أصعبها وأطولها.

“فارجع إلى ربك”؛ إن الذين يشهدون جلال الله وحده لا طاقة لهم بتصور هذا الأمر؛ فأما الذي يشهدون جلاله وجماله فيتصورونه وزيادةً؛ ارجع يا رحمة الله المهداة إلى ذي الربوبية الذي أهداك إليهم.

“فسله التخفيف لأمتك”؛ السؤال لله الذي لا يُسأل في هذا المقام سواه، والتخفيف الذي تسهُل به العبادةُ في الدنيا والحسابُ يوم القيامة، وأمتك أحب إلي من أمتي كما أنك أحب إلي من نفسي؛ فلذلك أتكلم.

أرأيتم فضل كليم الله علي كل عبدٍ وأمَةٍ رضِيا الإسلام دينًا! من أول الصِّدِّيق -رضي الله عنه- إلى آخر نسمةٍ مؤمنةٍ تصلي المكتوبات قبل ذَهابها من الأرض؛ لولا إلهام اللطيف الخبير إياه -في ساعةٍ من ساعات رضاه- لكنا في ركن الإسلام الأعظم من المفرِّطين، وفي اليوم الآخر من المقبوحين.

من خمسين إلى خمسٍ يا كليم الله! لأصلين عليك -كل حينٍ- خمسةً وخمسين مرةً؛ بلَّغك الله عنا.

أضف تعليق