يا أحبتي؛ ما سألتكم شيئًا لي قبل ذا، ولا أسألكم بعده غيره إن شاء الله؛ أسألكم بربٍّ توحِّدونه وتعبدونه؛ لا تكتموني من نصحكم شيئًا؛ صغيركم قبل كبيركم، مغموركم قبل مشهوركم، نساؤكم قبل رجالكم، في العام قبل الخاص، في الفروع قبل الأصول، بالمُخاشنة قبل المُلاينة؛ إن ربي بفقري عليمٌ.
انصحوا لي بما شئتم متى شئتم كيف شئتم أين شئتم؛ لا أتزيَّد فوق ما شرط ربي شيئًا؛ الإخلاص باطنًا، والحكمة ظاهرًا، فمن فرَّط في الأولى رجوت الله له العفو والغفران، ومن فرَّط في الثانية فله مني الصفح والشُّكران، لا حرمني الله بركات أيمانكم بذنبٍ أستحق به؛ إن ربي بذنوبي خبيرٌ.
ستجدون أخًا يقبل منكم قلبُه قبل قوله، ويُسَرُّ بالاستدراك عليه سرورًا لا يعلمه إلا الذي يبرؤه في نفسي وحدَه، وقد أخالف أحدكم فيما نصحني به لاعتقادي أو غلبة ظني على صواب رأيي؛ لكني حامدُه -على كل حالٍ- وشاكرُه، داعٍ لكم أجمعين بكل خيرٍ تحبونه من الله وترجونه؛ إن ربي بحالي بصيرٌ.
إذا كان المرجوُّ بوصالنا تعبيدَ أنفسنا لربنا علا وتعالى، وكنا في خسرٍ أجمعون “إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ”، وكان حظ الإسلام أحب إلينا من حظوظ أنفسنا؛ فإنه لا يسعني إلا الإخبات للحق والذلة على أهله؛ فأعينوني لا تدَعوني؛ إن ربي على ضعفي شهيدٌ.
هذه أربعون عامًا توشك شمسها على الغروب؛ لم تخْفَ على ربي من سوالفها خافيةٌ والغوث برحمته، ولم أطَّلع على غيبه فأعرف على أي حالٍ أنقلب إليه، وإني لم أجد شيئًا أنفع للسائرين إلى مولاهم؛ كالتجرد لوجهه الأكرم، والتواضع لعباده المؤمنين؛ فقوِّموني فيهما؛ إن ربي بعجزي محيطٌ.