أيها الغائبُ عني إنني ** علمَ اللهُ لمشتاقٌ إليكْ
فإذا هَبَّ نسيمٌ طيبٌ ** أنا ذاكَ الوقتَ سلمتُ عليكْ
قال: في صدري شَوْقٌ وفي قلبي تَوْقٌ وبينهما حنينٌ؛ إلى صديقٍ أسيرٍ، كم أشتهي بلاغَه تلهُّف روحي إليه ولا أدري كيف! قلت: توكل على الله في إبلاغه عنك، وربُّك الله أقدرُ وكيلٍ على ما وُكِل إليه.
يُسخِّر الله الريح لقلبك -على قدْر توكُّلك وحبِّك- فتجري بأمره رُخاءً حيث أصاب؛ فإذا أصاب (أراد) قلبُك إبلاغَه سلامًا؛ فما على أحَنِّ الوكلاء -تبارك ودُّه- بعزيزٍ، وإذا أصاب إبلاغَه شوقًا؛ فما على أمَنِّ الوكلاء -تعالى برُّه- ببعيدٍ؛ لكنِ اصدُق الله في توكُّلك عليه وفي حبِّك أخاك، وإنه بالمُوَلَّهين لطيفٌ.
عن عبد الله بن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لمَّا أصيب إخوانكم بأحدٍ؛ جعل الله أرواحهم في أجواف طيرٍ خُضرٍ، ترِد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديلَ من ذهبٍ معلقةٍ في ظل العرش، فلما وجدوا طِيب مأكلهم ومشربهم ومَقيلهم؛ قالوا: من يبلِّغ إخواننا عنا أنا في الجنة نُرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد ولا يَنكُلوا في الحرب! فقال الله -عز وجل-: أنا أبلِّغهم عنكم، فأنزل الله: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.
يكون أخوك على شفا حفرةٍ من عذاب الطغاة فينقذه الله بدعوةٍ صِدِّيقةٍ من قلبك، أو يعذبونه فلا ينالون من دينه وعزمه ما يريدون؛ بركعتين في جوف الليل صلَّيتهما ابتغاء نجاته، أو يؤنس الله فؤاده ذاتَ وحشةٍ عصَرَته عصرًا؛ بعطفٍ من روحك على والده ووالدته وولده؛ كلَّ ذلك يفعل الله عنك وكيلًا.
ربَّاه بلِّغ كل أسيرٍ عن والديه وزوجه وولده ومحبيه؛ ما يجدون في صدورهم من حرارات الهوى، وما يحسُّون في قلوبهم من أوجاع الجَوى؛ أنت بحال المحب إذا عجز عليمٌ، وبباطنه إذا ضعُف خبيرٌ.