يا أمَّ الأسير؛ لستِ أولى بولدكِ من الله، فكلي واشربي وقرِّي عينًا.
هو قبلَ أن يكون لكِ ولدًا؛ خلقه الله له عبدًا، فهو أولى به -من جهة ربوبيته- عنايةً به ورعايةً له فيما قدَر له من الابتلاء، وهو أولى به -من جهة ألوهيته- تعبيدًا لقلبه وجوارحه بامتحانات الضَّراء.
حين تَذهلين عن مصيبته -يَقْظَى- بشأنٍ من شؤونكِ؛ لا يَذهل عنه الربُّ الذي لا يضلُّ ولا ينسى، وحين تُصرفين عنه -نائمةً- كما لا بد لكِ مهما بلغت رأفتكِ به؛ لا تأخذ اللهَ عنه سِنةٌ ولا نومٌ.
أنت تريدين سلامة جسده في الدنيا، والله يريد سلامة قلبه منها، وإذ ترجين له الخروج من ضيق سجنه إلى سعةٍ لا تتجاوزه كثيرًا؛ يُهيؤه الله بالبلاء في سبيله لرَحابةٍ تتجاوز الحياة الدنيا سجنًا كلها.
يا أمَّ الأسير؛ هل أحطتِ بمصالح ولدكِ في معاشه ومعاده خُبرًا! أم لكِ قدرةٌ على تدبير أمره فيهما! فإن الذي قضى له بلاءه عزيزٌ والعزة كمال القدرة، حكيمٌ والحكمة كمال العلم؛ فتوكَّلي فيه عليه!