الحمد لله الذي جعل الصلاة أجزاءً؛ فكيف تجعل بعضَها لبعضٍ غوافرَ وجوابرَ!
ما أشق الأمر لو كانت الصلاة ركنًا واحدًا؛ عملًا وجزاءً! فإذا فاتك فيه خشوع قلبك وتدبر عقلك؛ ضاعت الصلاة جميعًا، إنك واجدٌ فقهاءَ لا يُحصيهم العدُّ يُفتونك بإجزاء هذه الصلاة الصُّورية تخفيفًا عنك من الله؛ لكنك -وقد أخليتها من حقيقتها- عادمٌ فقيهًا واحدًا يُفتيك بجوازها لجلال مقام لله.
إذا فاتك (خشوع القلب وتدبر العقل) قبل الصلاة تأهُّبًا لها؛ فاستعن بالله على تحصيلهما في ركن القيام بما شرَع فيه -سبحانه- من أركانٍ وفرائضَ ومستحباتٍ، فاخشع وتدبر إذ تكبر إحرامًا، وإذ تستهلُّ بدعاء الاستفتاح، وإذ تقرأ الفاتحة، وإذ تتلو من القرآن بعدها، ناويًا راجيًا أن يجعل الله قيامك غافرًا لما فاتك قبله جابرًا، فإن فاتك تحصيلهما في القيام؛ فاستعن بالله عليهما في الركوع، ناويًا راجيًا أن يجعل الله ركوعك غافرًا لما فاتك قبله جابرًا، فإن فاتك تحصيلهما في الركوع؛ فاستعن بالله عليهما في الرفع بعده، ناويًا راجيًا أن يجعل الله رفعك غافرًا لما فاتك قبله جابرًا، فإن فاتك تحصيلهما في الرفع؛ فاستعن بالله عليهما في السجود، ناويًا راجيًا أن يجعل الله سجودك غافرًا لما فاتك قبله جابرًا، فإن فاتك تحصيلهما في الصلاة كلها -عوَّذتُ نفسي وإياك بوجه الله البديع من هذا الخسران الشنيع- فأذكار الصلوات ونوافلها آخر الغوافر والجوابر؛ ويبقى الله بعد كل فائتٍ غفورًا جبارًا لا يفوت.
الحمد لله الذي لم يجعل الصلاة ركنًا واحدًا، الحمد لله الذي جعل الصلاة أركانًا وواجباتٍ وسُننًا، الحمد لله بما فرض في الصلاة طمأنينة الجوارح وخشوع القلب، الحمد لله الذي شرَع للصلاة رواتب ونوافل، الحمد لله على شرائط صحة الصلاة قبلها وعلى أذكارها بعدها، الحمد لله بالصلاة جميعًا.