عن ميقات فيروس “كورونا”، وسبحان

عن ميقات فيروس “كورونا”، وسبحان الله المقيت وتعالى!

لئن نسيت ثورة يناير كلَّها -ضيَّع الله من ضيَّعها- فلن أنسى كلمةً قالها لي الشيخ رفاعي سرور -رفعه الله درجاتٍ، وسرَّه يوم الحسرات- في أول زيارةٍ له بعد مدةٍ قريبةٍ منها؛ قال: “أنا كنت متأكد يا أخ حمزة ان فيه شيء هيحصل؛ أنا شفت فقير بيطلَّع فرخة ميتة من صندوق زبالة وعمَّال يحرَّكها كإنه عايزها تصحى!”؛ إن الله لا يعجَل وإن عجِل خلقُه أجمعون، وإن لكل شيءٍ عنده أجلًا مسمًّى.

جاء “كورونا” الأخرس في نفسه ناطقًا بكل لسانٍ لكل أمةٍ في الأرض كلها؛ يقول: “أنا أحد جنود ربٍّ لا يعلم جنودَه إلا هو، ذلكم الحق؛ على كل شيءٍ قادرٌ قديرٌ مقتدرٌ؛ قادرٌ في نفسه قديرٌ على ما كان مقتدرٌ على ما كان وما لم يكن، على كل شيءٍ مهيمنٌ؛ إحاطةً به وإخضاعًا له، فوق كل شيءٍ قاهرٌ قهارٌ؛ يغلب كل مخلوقٍ بسلطانه العُلويِّ الأكبر على ما أراد منه طوعًا أو كرهًا؛ فأنَّى ترتابون!”.

لقد أوشكت عقائد أكثر المسلمين -بشديد جهلهم بربهم؛ صفاتِه وسُننِه وشرعِه- أن تتزلزل بين يدَي جبروت الأنظمة المتسلطة عليهم؛ وزاغت قلوبٌ وضلَّت عقولٌ؛ حتى كاد يقول كثيرٌ منهم: ما شاء الطواغيت كان وما لم يشاؤوا لم يكن؛ بعدما بدا في عيونهم كلُّ شيءٍ في كل جهةٍ مغلقًا لا فاتح له من الأسباب البشرية والمادية الظاهرة، وبينما هم كذلك إذ تصدَّق اللطيف الخبير عليهم بفيروس.

“كورونا” صدقةٌ من الله على المسلمين وهو المُهدِّد حَيَواتِهم بالموت يحصد منهم كلَّ ساعةٍ عديدًا! أجل وربِّ الخلق جميعًا ما تبصرون وما لا تبصرون؛ إن غاية ما يفعل “كورونا” في الناس -غيرَ مجاوزٍ قدَرَ الله مثقالَ ذرةٍ- إماتة أجسادهم، وما أخَّر الله لن يقدِّمه “كورونا” ولا أحدٌ من العالمين، ومن لم يمت به مات بغيره، وأسباب الموت الجَوَّانية والبَرَّانية -في الأرض- لا تُحصَى ولا تُستقصَى.

“كورونا” صدقةٌ من الله على المسلمين إذ يحفظ توحيدَهم الذي خُلقوا لأجله؛ فاليوم يوقنون أن الله هو الملك المليك الحق، وأن الذين ينازعونه الربوبية والألوهية -من طواغيت العرب والعجم- لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، وأن صورهم -مهما تضخَّمت بآلاتهم العظيمة- لا حقائق لها، وأن الذي فوق كل ذي فوقيةٍ في العالمين واحدٌ لا شريك له؛ “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ”.

“كورونا” صدقةٌ علينا إذ يُنِيبنا إلى الله الذي كان حقُّه الإنابة منا طوعًا واختيارًا؛ فهذا جاهلٌ بالله عزم على معرفته بما ينبغي له سبحانه، وهذه مفرِّطةٌ في طاعة ربها أزْمَعت على الجد لن تلوي صاعدةً على شيءٍ، وهؤلاء غارقون في الخطايا يحذرون بأس الله أن يأتيهم بياتًا وهم نائمون أو ضُحًى وهم يلعبون، وأولئك مغرورون بالحياة الدنيا يبصرون زيفَها فتتجلَّى له الآخرة بقدْر ما أفسحوا لها.

رأيت فتاةً منتسبةً إلى الإسلام تمشي متبرجةً تبرجًا يُخجل الجاهلية الأولى؛ لكنها تغطي أنفها وفمها بكمامةٍ تتقي “كورونا”، قلت في نفسي: لو عرفت هذه عن الله ما عرفت عن “كورونا” لكانت أشدَّ له تقوى، وكذلك قُل في خشية عامة العامة من الطواغيت ما لا يخشون الله، لما كان علمهم بصفات الطواغيت وأفعالهم أوسع من علمهم بصفات ربهم وأفعاله؛ جعلوا للطواغيت ما لم يجعلوا لله.

ربَّاه ما “كورونا” إلا جنديٌّ من جنودك؛ أنت خالقه وبارئه ومصوِّره، لا يفعل شيئًا من تلقاء نفسه بل بمشيئتك، بيدك تسكينه وتحريكه غالبًا على أمرك، لن يصيبنا منه شيءٌ إلا ما كتبت لنا؛ اللهم فاجعله على عدوك وعدونا نقمةً وبأسًا، ولنا من دونهم رحمةً ولطفًا؛ أنت العزيز الرحيم، اللهم إن لك في كل قدَرٍ فينا عقيدةً وعبادةً، وإنا بما تحب -في هذا القضاء- عقيدةً وعبادةً إلى وجهك متوجِّهون.

الحمد لله على “كورونا”، ونعوذ به من شره؛ لا إله إلا الله.

أضف تعليق