“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
لدغتْ أفئدتَهم وحشةُ البعد عن سيدهم؛ فآبوا إلى بابه سراعًا، وهل يطيق المحبون!
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
كآحاد الأنام قارفوا الآثام، وقد يعمَدون إليها؛ لكنْ أنَّى يصرُّون عليها! هم الراغبون.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
مولاهم ربهم؛ علموا ألا ملجأ من صفات جلاله إلا إلى صفات جماله، فآوَوا إلى كهفه.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
قد تُجعل عقوبتهم في الطاعات والمعاصي؛ لكنَّ عادة المنَّان هُداهم، “وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ”.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
علموا أن ربهم يفرح بهم إذا تابوا؛ فقالوا: نتعجَّل فرحَ الله، لئن أغضبْنا ربنا لنُفرِحَنَّه.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
عصيانهم جهالةٌ، لا مُحَادَّةٌ ولا ضلالةٌ، غيرُ أجرياء على الله، يتملَّقون -حِثَاثًا- رضاه.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
أقلعوا وندموا، وعلى الإصلاح عزموا، وأدَّوا الحقوق تامَّاتٍ، فبُدِّلت سيئاتُهم حسناتٍ.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
أسرعَ بتوبتهم تعريفُ الله وتخويفُه؛ عرَّفهم ثواب المبادرة، وخوَّفهم عقاب التسويف.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
قالوا: حسْبُ الإسلام جراحاتُ أعدائه، لا يُؤتَى من قِبَلنا، لنتوبنَّ قريبًا ابتغاءَ عافيته.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
ذكروا مسارعة نفوسهم إلى زائلات المعاش؛ فاستحيَوا من إبطائها عن خالدات المعاد.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
لما جهلوا موعد غرغرة الأرواح؛ سابَقوا إلى الله بتطبيب الجراح، ومن لها إلا الله!
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
كيف يسارع الله لهم في الخيرات غنيًّا عنهم؛ ولا يسارعون إليه بالإياب فقراءَ إليه!
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
يغتنمون شبابًا قبل هِرمٍ، وصحةً قبل سَقمٍ، وغنًى قبل فقرٍ، وفراغًا قبل شغلٍ؛ فنِعِمَّا.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
لما ثقُلت أقدامهم عن الله بالمعصية؛ خفُّوا إليه عجِلين بالتوبة؛ لتمحو صورةٌ صورةً.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
إذا قال التلكُّؤ عن القُرُبات: تالله ما غنمنا؛ قال الهَرَع بالتوبة: ما شهدنا إلا بما علمنا.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
“فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ”؛ العظيمو الحبِّ الصادقو القربِ، مَن يغيثهم التواب بالتوبة.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
“وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”؛ عليمًا بالتائبين وأحوالهم، حكيمًا أين يجعل توبته في عباده.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
“ما للعباد عليه حقٌّ واجبٌ”؛ لكنه جعله كذلك؛ حنانًا من لدنه وزكاةً، وهو البر الكريم.
“ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ”.
لبيك اللهم رُجْعَى؛ أفمَن هرول إلى الرحمن بها؛ كمن أبطأ خَطْوَ أسبابها! لا يستوون.