صرخة نذيرٍ عريانٍ! اتقوا القبوريين

صرخة نذيرٍ عريانٍ!

اتقوا القبوريين الجدد، اجتنبوهم أن يصيبوا ما خُلقتم لأجله من التوحيد وأنتم لا تشعرون، لا فرق بينهم وبين قدامى القبوريين إلا في نوع الخبث ودركة التعالم.

أولئك الساطون على توحيدكم بزخرف القول غرورًا يطعنونه لا يبالون؛ يقرِّبون إليكم الشرك بالله في المقبورين ويزيِّنونه. ما فرغ الإسلام من فتنة الناس بشرك القصور يُعَبِّد كُهانُه الناسَ للطواغيت ترغيبًا وترهيبًا؛ حتى أصيب بهؤلاء القُساة لا يرحمونه في أبنائه. لئن أشفقت جهنم على من يسوقونهم إليها كل حينٍ بصُنوف الشرك في العبادات؛ فإنهم لا يشفقون، ولِمَ يشفقون والغاية أن يطؤوا مواطئ تغيظ السلفيين كيدَ الضرائر! كأنما صيانة التوحيد عن لوثات الإشراك في العبادات دين السلفيين، وكأن دواء إغلاق جمهرة السلفيين الأبواب كلها -وكان- أن تُخلع الأبواب عن بيت التوحيد بابًا بابًا. إلى الله شكايات الإسلام.

سمعت بعض أشياخي يقول -وصدق-: حركة المبتدع كحركة بندول الساعة؛ إما إلى أقصى الميمنة وإما إلى أقصى الميسرة، ينتقل أحدهم من السلفية إلى الأشعرية فينقل بانتقاله الإمام ابن تيمية -قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه- من مشيخة الإسلام إلى التوقف في إسلامه، ألا إنه لو تحول جنسيًّا من الذكورة إلى الأنوثة لكان أصْوَنَ له وأزْيَنَ، يقول الأبعد: أنا متوقفٌ في إسلام ابن تيمية.

كل مشتغلٍ بمحاربة طائفةٍ مسلمةٍ -مهما بلغ سوءهم وسيئاتهم- ما لا يشتغل بالكافرين؛ كالطواغيت، والملاحدة، واليهود، والصليبيين؛ فهو دجَّالٌ مفتونٌ؛ وإن حلف بين الركن والمقام على ابتغائه الحقَّ. كذِّبوهم بالحق لتُصدِّقوا الله.

المنفاخ والشفاط؛ ما يٌشفَط بالشفاط من هواءٍ في جهةٍ يُنفَخ بالضرورة في الجهة المقابلة، وما يُنفَخ من هواءٍ بالمنفاخ في جهةٍ هو مشفوطٌ بالضرورة من الجهة المقابلة. كذلك الولاء والبراء؛ لا يزال يعادي السلفيُّ الأشعريَّ والأشعريُّ السلفيَّ معاداةً جائرةً؛ حتى يواليا الطاغوت جميعًا نكالًا من الله، وكم شهدنا!

اعرفوا من الأشاعرة وأنكروا، واصحبوا منهم واهجروا، أكثرهم متأولون ومنهم دون ذلك، كان الخلاف بيننا وبينهم في أبوابٍ من الفلسفة والاعتقاد ولم يَزل، لا يُقضى عليه من لطيفٍ ظريفٍ فيموت ما بقيت السنن والبدع تتدافعان؛ لكنَّ وصية الله لنا ولهم أن نقوم جميعًا فيه لوجهه بالقسط شهداء لله بالعلم والعدل، فأما من سوَّغ لكم الاستغاثة بالمقبورين ودعاءهم من دون الله أو معه؛ فامقتوه في الله ورسوله، وجاهدوه بألسنتكم، وشنِّعوا عليه بما يستحق؛ حتى يشفيه الله من زندقته إن شاء، أو يشفي صدور الموحدين بإهلاكه، ليس الخلاف بينكم وبينه من جنس الخلاف النظري في الدرس العقدي؛ بل هو كالذي بيننا وبين أنصار الطواغيت، لا يفرِّق الإسلام بين المتماثلات كما لا يساوي بين المختلفات.

أئمة الإسلام السادة الضِّخام أبو حنيفة ومالكٌ والشافعي وأحمد -رضي الله عنهم- في الجنة بيقينٍ لا ريب فيه، وإن كان موتهم بعد انقطاع الوحي الذي يشهد -وحده- في ذلك؛ فإن قطعيَّ الثبوت من الوحي قضى بقطعيِّ الدلالة في الحُكم أن إجماع الأمة -الذي هو إجماعها- معصومٌ من الخطأ والضلال، ولقد أجمعت الأمة على إمامتهم في الدين -عقيدةً وشريعةً- لا على مجرَّد إسلامهم، وإنما الخلاف بين أهل الإسلام في منازلهم في الإمامة أيُّهم أرفع فيها قدْرًا.

ألا إنهم لو بُعثوا من أجداثهم مجتمعين فسوَّغوا لكم -وأجارهم الله أن يفعلوا- ما يرى الله والمؤمنون في القبور والمشاهد والأضرحة من أنواع الشرك بالله القطعية وألوانه اليقينية؛ لكانوا كرؤوس المشركين زمانَ النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين كانوا يزينون للناس إشراكهم بالأصنام، لا فرق بين هؤلاء وبين أولئك في حُججهم عند الله وعند الذين آمنوا. جلَّ مقام السادة الأربعة أبدًا.

في التوسل بذات النبي -صلى الله عليه وسلم- المشرَّفة وبجاهه العظيم تفصيلٌ واختلافٌ، وفي التبرك تفصيلٌ واختلافٌ؛ لكن ليس في دعاء الأموات والاستغاثة بالمقبورين تفصيلٌ ولا اختلافٌ؛ إلا في مستوى الحكم على الفاعلين من جهة العلم والجهل ورعاية الأزمنة والأمكنة، فأما الصورة المُركَّبة المشهودة عند القبور -أولياءَ وغير أولياءَ- يُصرَف فيها لهم ما لا يُصرَف إلا لله الواحد الأحد؛ فهي وثنيةٌ محضةٌ، ولو أن أصحاب محمد بن عبد الله -صلى عليه الله ورضي عنهم- نُشروا من قبورهم؛ لما وجدوا بين عُبَّاد القبور وبين عُبَّاد الأصنام فرقًا كبيرًا مما يتخايله الأفَّاكون ويزعمون؛ بل لو أُشهِد إبليس -لعنه الله- عن تلك الفروق المدَّعاة بين الفريقين لأنكرها وهو الموحِي بها جميعًا، ولئن أقر عُبَّاد القبور حديثًا لله بأركانٍ في الربوبية؛ فقد أقر بها عُبَّاد الأصنام قديمًا، وأما الإقرار النظري لله باستحقاق العبودية وحده؛ فلا يغني عن أصحابه شيئًا إذا هم نقضوه بالعمل نقضًا، كمن يتلو “إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ” لا ينكرها علمًا، ثم هو يتحاكم إلى الطواغيت في حكم الجاهلية التحاكمَ الاختياريَّ عملًا. نواقض الإسلام واحدةٌ.

ليكن السيد البدوي صدِّيقًا؛ ذلك أحب إلينا وآثر لدينا وأكرم علينا، ليست هذه بالقضية؛ القضية فيما هو معلومٌ بالاضطرار للقاصي والداني مما يحصل عند ضريحه تركيبًا لا إفرادًا، فمن سوَّغ هذا بتفكيكٍ متمَحَّلٍ؛ فقد هان التوحيد في قلبه ورخُص عليه، وإنه لمِن أغلظ الناس على الناس -بما يفتنهم في دينهم- من حيث يُسَوِّق نفسه موسى جديدًا يستنقذ المظلومين من فرعون السلفية.

أضف تعليق