أَحب مكارم الأخلاق إلى فؤادي المواساة، ولولا تقديس الله الجنة من دقيق الحزن وجليله؛ لتَخَايَلْتُ غاية تنعُّمي فيها -إنْ ربي متصدِّقًا عليَّ أدخلنيها- مواساة الحزانى حتى تنجلي عنهم أحزانهم، ولو أن الله جعل مثوبة المواسِين خَلقَه ما يجدون في أنفسهم من لذائذ المواساة نفسها؛ ما كان ذلك منه إلا أجمل الثواب وأجزل الشكران؛ غير أنه يكافؤهم بها في الدارين أجرًا من لدنه عظيمًا.
الآن إن ساءكم ذكر الحزن في أحرفي؛ فقد حضرتْ للمواساة مني مناسبةٌ، فأتضرَّع إلى وجه ذي الجلال والإكرام مُكَفِّرًا عما آذاكم بطريقي: اللهم لا تغادر من أهلي وأصحابي ومعارفي ذا كآبةٍ أحاطت أسوارها بنفسه؛ إلا تجلَّيت عليها برأفتك فجعلتها دكًّا، حتى تَخِرَّ آلامُهم هدًّا؛ ليفيقوا من أسًى يقولون: سبحانك!