حامت نفسه حول عقله تؤزُّه لسؤال ربه: رب لم منعتَني كذا من الدنيا وقد تعلم أني أشتهيه! قطع حَوَمَانَها الخارجَ بها عن حد العبودية تحت سُرادقات الربوبية يسألها هي: لماذا أنا حيٌّ وآخرون موتى! لماذا أنا طليقٌ وآخرون أسرى! لماذا أنا صحيحٌ وآخرون مرضى! ما لي عند ربي حتى يبسط لي من أنواع العافية هذه وسواها ما قبض عن سواي! تَرَيْنَنِي ممتازًا عند الله بحَظْوةٍ ليست لميتٍ انقطع عمله حين أفسح ربي في أجلي! أو أسيرٍ حُرِم أهله وبيته وحرمانُه اختيارَه أوجعُ من كل حرمانٍ حين أعطاني ربي ذلك كله موفورًا! أو مريضٍ مُرْتَهَنٍ بعلَّته في فراشه لا يرجو فوق الصحة من الدنيا كلها عطاءً حين أنشطني ربي في الحياة غير مغلولٍ بقيدٍ! ثم تَرَيْنَ ربي منعني شيئًا هو لي وكان حقًّا عليه أن يؤتينيه!
يا حبيبي؛ إن النفوس إذا لم تُغْزَ بالرَّشَد غزت أصحابها بالغَواية، وإلَّا تَخْطِم أنت جُمُوحَها فتمتطي بالعقل ظهرَها؛ تركب هي عقلَك فلا تُبقي من رزانته شيئًا.
يا حبيبي؛ نفسك التي تقطع على عقلك مرادات كماله التي أراد الله له؛ لا تعرف بعدُ ما تريد هي من مظاهر النقصان؛ فأنَّى تجعل لحيرانَ على مهتدٍ سبيلًا!