الكلام كلامان؛ كلامٌ بموجودٍ، وكلامٌ

الكلام كلامان؛ كلامٌ بموجودٍ، وكلامٌ بمهبودٍ. فأما الأول فهو الكلام -عياذًا بالله- بعلمٍ، وأما الآخر فهو الكلام برَزْعٍ، ويقال له: الهَرْي. وزعم ابن أبي هَلْكٍ في “قاموس اللتِّ والعَجْن” فروقًا بين الهَبْد والرَّزْع والهَرْي، ولا يَسلم خَبْطُه فيه من تكلُّفٍ، ولا مُشَاحَّة في الفَتْي؛ غير أن الشيء إذا كبُرت حقيقته كثُرت ألقابه، وليس هو بالمُطَّرِد؛ لكنَّ الأحكام أغلبيةٌ، والإطلاق لا يفيد الاستغراق. وقد عزَّ أن يخلو موجودٌ من مهبودٍ، ومهبودٌ من موجودٍ؛ فإن المتكلم بالموجود ليس بمعصومٍ؛ كيف هو في زمانٍ لا أيسر فيه من الهَبْد! لكنْ مُقِلٌّ من المهبود في الموجود ومستكثرٌ، ولولا حظُّ المهبود من الموجود ما راج رَوَاجَه؛ فإن المهبود المَحْض لا يكاد يروج في الخلق. وليس إنكار أولي العلم على أولي الهَبْد بأقلَّ من إنكار أولي الهَبْد عليهم؛ ذلك بأنه إذا قُسِمَت شجاعة الهبَّاد الواحد منهم على أمةٍ من عالمي الزمان لوَسِعَتهم؛ حتى تقهقر العالمون واقتحم الهابدون، ما استأسد الهَبْد إلا حين استنوق العلم، إلى الله أشكو عجز العالمين وثقة الهابدين.

أضف تعليق