#في_حياة_بيوت_المسلمين. “ترياق مفاعَلةٌ وافتعالٌ” لضبط

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

“ترياق مفاعَلةٌ وافتعالٌ” لضبط الشهوة، من صيدلية الإسلام.

قال الفتى: يا أبتِ؛ انعت لي في الشهوة دواءً لا أسأل عنه أحدًا بعدك.

يا لبيكَّاه ولدي وربي المستعان؛ هاكَ “ترياق مُفَاعَلةٌ وافتعالٌ”؛ أما قبلها فمُزاحَمةٌ واصطبارٌ، وأما خلالها فمُدافَعةٌ واختصارٌ، وأما بعدها فمُراغَمةٌ واعتبارٌ.

قال الفتى: ليست الشهوة حالًا مُجْمَلةً فيناسبها هذا الإجمال؛ فزدني.

يا بني؛ أما المُزاحَمة قبلها؛ فبالطيبات وبالمباحات، زاحم بهنَّ وقتك ونفسك وجهدك؛ فإن للشهوة مبتدأً وخبرًا؛ فأما مبتدؤها؛ فجَوَّانيُّ وهو داعي النفس والجسد، وأما خبرها؛ فبَرَّانيٌّ وهو الفراغ، فإذا صادف مبتدؤها خبرَها؛ فلا تسَل عن تمام جملتها، وإن مُقارفة النهايات من مُشارفة البدايات، فزاحِم زاحِم.

وأما الاصطبار قبلها؛ فمعناه ديمومة التصبُّر، والتصبُّر تكلُّف العبد الصبر، ومن تكلَّف شيئًا بلغه، وقد قيل: المزاولات تعطي المَلَكَات، والتمرينات تُبلِّغ الكمالات. يا بني؛ إن يكن النصر صبرَ ساعةٍ؛ فإن العافية من الحرام صبر لحظةٍ. يا بني؛ رُبَّ شهوة ساعةٍ أورثت ذلَّ الدهر، وإن السلامة لا يَعدلها شيءٌ، ومن تعفف تخفف، ولذَّات الصبر عند أهلها أطيب وأوفى، وإنه لمن عزم الأمور.

وأما المُدافَعة خلالها؛ فنفسيةٌ، وحِسيةٌ.

فأما المدافَعة النفسية؛ فبالرَّغب والرَّهب؛ ترغِّب نفسك بتذكرة الله الحانية: “قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ”، وتبصرة نبيه -صلَّى الله عليه وسلَّم- الحادية: “إن الله -عزَّ وجلَّ- ليَعجب من الشاب لا صَبْوة له”، وترهِّبها بوعيد الخزي، ولا خير في لذَّةٍ من بعدها النارُ، وأشد من كل عقابٍ غضب الله.

وأما المدافَعة الحِسية؛ فبالقيام من قعودٍ أو المشي من قيامٍ، وبكل حركةٍ يُصرَف بها المخُّ عن مشغوله والقلبُ عن مطلوبه، وإن ذكْر الله ليَجمع لك ذلك كله وزيادةً، وخيره لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لا تحوُّل من هياجٍ إلى سكونٍ، ولا من فسوقٍ إلى تقوى، ولا قوة على ذلك؛ إلا بالله العزيز الحكيم عليًّا عظيمًا.

وأما الاختصار خلالها؛ فمعناه الاقتصاد فيها، لا تسرف في شهوةٍ محرمةٍ، لا تستوف منها كل لذَّةٍ فيها. إن كان وَطَرُك يُقضى بوسيلةٍ واحدةٍ؛ فلا تعْدُها إلى غيرها؛ ذلك أسلمُ لنفسك اليوم وغدًا، وإن كان يُقضى بك وحدك؛ فلا تورِّط معك فيه غيرك؛ ذلك أخف لك عند ربك حين تزول عنك سَكْرتك، وهَبْ أن الوهاب وهبك منه توبةً؛ من أين لك توبة إنسانٍ انتهك بك حُرمةً من حُرماته!

يا بني؛ أنت محبٌّ لربك، فإذا أصبت مما يكره شيئًا؛ فذاك أمرٌ عارضٌ لا دائمٌ، وعما قريبٍ أنت آيبٌ إلى مولاك، فلا تستكثر من مساخطه ليَكْرُم دخولك عليه.

وأما المراغَمة بعدها؛ فإغاظة الشيطان -على وسوسته وتزيينه- بتوبةٍ نصوحٍ عاجلةٍ، تفسد عليه قصده من إغوائك وهو إسخاط الله عليك، فتقول لربك بلسان مقالك وحالك: ربِّ لئن عصيتك بما تكره؛ فلأفعلن لك ما تحب، ألست تحب التوابين وتحب المتطهرين! فلأتوبن لك بالترك والندم والعزم، ولأتطهرن لك بالطيبات بعد الخبائث، ولأعجلن إليك بالصالحات يا أحب حبيبٍ لترضى.

وأما الاعتبار بعدها؛ فالنظر إلى أسبابها العامة والخاصة ما ظهر منهما وما بطن لاجتنابها واتقائها، وتأمُّل عواقبها في القلب والعقل والنفس والجسد حالًا ومآلًا، فتستدل بما كان بها على ما لم يكن؛ فإن الشهوات أشباهٌ لا جديد فيها.

يا بني؛ أوصَد الله على قلبك أبواب الفتن جميعًا، وأعانك على ما فُتِح عليك منها، وشغلك بمَحَابِّه ومنافعك عن مغاضبه ومضارِّك، وغفر لك ما سلف من آثامك وفات، وثبَّتك على صراطه السَوِيِّ إلى الممات. أفلا تحب أن تكون رجلًا!

قال الفتى: قد أبردت كبدي؛ جعل الله حرفك عن الخَنا صَوْنًا، وعلى العفة عَوْنًا.

أضف تعليق