يا حبيبي؛ لا الأصل أنت ولا الميزان.
قبولُك مزاحَ أحبابك من أي نوعٍ بأي كيفٍ على كل حالٍ في كل حينٍ، مهما جنى هذا على صيانة حُرمة نفسك؛ لا يوجب احتمالهم منك ذلك لو كان؛ فلست الأصل الذي تُقاس عليه خلائق الناس ولا الميزان الذي تُوزن به أفعالهم.
مُوالاتُك أحبابَك بجميع أسرارك النفسية والجسدية والأُسرية لا تبالي بكتمانها عنهم، مهما عرَّضك هذا للفضائح المُبِينة؛ لا توجب عليهم مثل ذلك فيك؛ فلست الأصل الذي تُقاس عليه خلائق الناس ولا الميزان الذي تُوزن به أفعالهم.
تسامحُك في غَشيان أحبابك بيتَك على كل أحوالك وجميع أحيانك، مهما عاد على نفسك وامرأتك وذريتك بالسوء؛ لا يوجب عليهم قبول مثله منك لو كان؛ فلست الأصل الذي تُقاس عليه خلائق الناس ولا الميزان الذي تُوزن به أفعالهم.
إباحتُك وقتَك لأحبابك ينهشون منه ما يشاؤون بغير حسابٍ، لا تعبأُ بهذا مهما بلغت مغارمُه في دينك ودنياك؛ لا يوجب عليهم قبول مثله منك لو كان؛ فلست الأصل الذي تُقاس عليه خلائق الناس ولا الميزان الذي تُوزن به أفعالهم.
يا حبيبي؛ لا ريب في شططك في الإمكان من نفسك فيما سلف جميعًا، لكنك بطبيعتك السائلة لا تحسَب ما تفعل إلا إحسانًا يجب على أحبابك أن يكافؤوك بمثله أو خيرٍ منه، ثم إنه لو لم يكن شططًا عند الله مكروهًا؛ لوجب عليك إعذارهم من جهة اختلاف طبائع الناس وأمزجتهم وأحوالهم اختلافًا عظيمًا.
إن من الحقائق البشرية العامة قياس الغير على النفس في تصوراتها وتصرفاتها بغير وعيٍ من صاحبها أحيانًا وبوعيٍ حينًا، وبعض هذا سائغٌ لا حرج فيه وكثيرٌ منه لا يسوغ، وإنما الرجل الأوحد الذي تُقاس عليه خلائق العالمين وتُوزن بميزانه أفعالهم؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ في المَنشط والمَكره، والعسر واليسر، والغضب والرضا، ومهما بلغ تسامح إنسانٍ سواه لم يكن أصلًا ولا ميزانًا.