لا تستوي -في الأرض ولا في السماء- عبادة عبدٍ مستبشرٍ فيها برحمة أرحم الراحمين أنها تسعه فيتقبلها منه على عِلَّاتها، طامعٍ إذ يؤديها في نظر الله إليه نظرة رضًا تجبر كسورها، مؤمِّلٍ بها شُكر ربه الذي لا أشكر منه وهل شُكره إلا مُجازاته العمل القليل بالثواب الجزيل! لا تستوي عبادة هذا العظيم رجاؤه وعبادة عبدٍ ماقتٍ نفسه فيها، يائسٍ من قبول الله لها إذ يؤديها، كلما دخل فيها حضَرته خطاياه فسوَّدت في عينيه كل بياضٍ يستروح به العابدون، لم يقل له قائلٌ يومًا: لئن سبقت سيئاتُك حسناتِك؛ فقد سبقت رحمةُ الله غضبَه.
يا عبادًا بلَّغهم ربُّهم حبيبُهم شهر رمضان ولو شاء لم يفعل؛ أتحسبون أن الله بلَّغكموه وهو يريد بكم فيه شرًّا! تقدَّس الله الغالبة رحمته، أحسنوا ظنكم بالله إذ تصومون وإذ تقومون وإذ تتلون كتابه وإذ تتصدقون؛ أنه غافرٌ ذنوبكم، متجاوزٌ عن سيئاتكم، تائبٌ عليكم، راحمٌ ضعفكم وذُلَّكم وعجزكم وفقركم، جابرٌ كسور قلوبكم وأعمالكم وأحوالكم، هاديكم إلى صراطه السوي، مثبِّتٌ أفئدتكم، ناصركم على نفوسكم وعلى الدنيا وعلى الشياطين، متقبِّلٌ دعاءكم لأنفسكم وأهليكم ومن أحببتم، وربكم عند ظنكم به ومن أوفى من ربكم وعدًا!