حروفٌ شتى، لئن أرضاك أولها فقد يُسخطك آخرها؛ اتَّئِد بإعجابك حبيبي:
نقص الله أمس من الأرض طرفًا كريمًا، توفى نفْسَ وليِّه الصالح شيخِنا الدَّرعمي المُتَشَرِّع الجليل علَّامة الاقتصاد الإسلامي علي السالوس؛ رحمه الله وغفر له ورضي عنه ونوَّر قبره، وجبر الإسلام وأهله في فقده، كان عبدًا رضِيَّ النفس خفيض الجَناح سمْح الخليقة، وكان طويل الصمت كثير التأمل مطواعًا لله، ليس قبوريًّا ولا قصوريًّا، قد صحب جمهرةً من أهل اللغة والشريعة فرضي عنهم ورضوا عنه؛ فيك اللهم الطمعُ أن تجعل ثناءك عليه في الملأ الأعلى أزكى وأبقى، واربط على قلوب محبيه كي تحفظ صبرهم فيها جميلًا.
سرَّني سرورًا عظيمًا ما يسَّر الله من الخير لأخي الشيخ القاسم الأزهري (درجة العالِمية)؛ فاجعلها اللهم بركةً عليه في دنياه وأخراه، واغفر له واهده.
أبرأ إلى الله ورسوله ودينه وعباده من مناظرة بَظْر الخليفي، غَلب مُناظِره أو غُلب، ولئن قال الإمام شعبة بن الحجاج قديمًا: “لأن أزني أحب إلي من أن أُدَلِّس”؛ فإني اليوم أقول: لأن أزني ساعةً أحب إلي من خُطور الاستماع لصوت هذا الفُسَيْل على قلبي هُنَيْهَةً، ولأن يناظر المسلم في عِرض حريمه جميعًا؛ أهون عليه من المناظرة في عِرض سادات الإسلام أبي حنيفة والنووي والسيوطي وأمثالِهم من سُكَّان جنات عدنٍ المقطوع بإمامتهم وإن زلُّوا فيما زلُّوا، لئن ولج الضبعُ سَمَّ الخِياط فإن الدراويش لا يعقلون؛ وما علينا!
ما على اللبيب إذا اضطر اضطرارَ آكِل لحم الخنزير إلى ذِكر الخليفي وبَظْره، وذاكر حنفي، والأزهري الحنبلي، وصهيب حسن، ومصطفى عبد النبي، وأشباهِهم ممن هتك الله أورام صدورهم الخبيثة للبُصَراء كافةً؛ إلا أن يسبهم بأشنع لفظٍ وأبشعه مما تُجَوِّزه الشريعة المَجيدة للمسلم تجويزها مسَّ الأقذار في الاستنجاء والاستجمار، فمن عجز جهولًا واهنًا فله الخَرَس، فأما أن يُجَرَّ إلى مناقشتهم بأيَّة دعوى؛ فبك اللهم من الهبل وما أغرى به عِياذًا ولِياذًا.
تحسبونني رجعت عن شتم هؤلاء الأوباش بلطيف السِّباب وظريفه الذي كنت آتي! قد ظن بي السوء مَن تخايَل ذلك؛ إنما سئمته سآمتي إفهام من لا يفهم أن ذلك اللائق بهم المُنْبَغِي لهم، وأن غاية مشتهى هؤلاء السِّفلة إقناع الرِّعاع أن الأمر دينٌ وأن الشأن علمٌ، وربُّنا المحيط في عليائه فوق عرشه وسمائه خبيرٌ أنهم دجالون يقتاتون بفُتُون الناس ما يُنَفِّقون به في أسواق الدَّهماء عِلل قلوبهم المُنْتِنَة؛ إنما أرجع -بعد مراجعة فاضلٍ منكم- عن دعائي -ذاتَ غضبٍ لجناب الإسلام المقدَّس- على غلام القبورية المتحاقِر الأزهري الحنبلي -عرَّى الله سائر سوآته- أن يموت كافرًا، قال لي صاحبي (النبيل) ذا: حسبُك في الرجوع عنها -يا حمزة- أن لا سلف لك فيها؛ فأقول هنا: أستغفرك اللهم.
اللهم من روَّع عبادك المهاجرين في تركيا ابتغاء إرضاء كفرة الأتراك وفجرتهم؛ فروِّعه حيًّا ومقبورًا ومبعوثًا، وأمكِنَّا منهم نجازيهم بأسوأ الذي عملوا، ومن رضُوا بذلك أجمعين. آهِ لو ترون المستضعفين من الرجال والنساء -الذين لا جنسية لهم ولا إقامة- وجِلين في بيوتهم يحاذرون الخروج لقضاء حوائجهم وغشيانَ بيوت ربهم؛ لَدعوتم الله على مُفْزِعيهم بأشدَّ من دعائي عليهم وأشقَّ. الله المولى وهو بالخائفين أولى، أرضُك اللهم واسعةٌ فابسُط فيها للفارِّين بدينهم من طواغيت العرب حِرزًا عزيزًا، حسبُنا أنت المليك ونِعم الوكيل.
أيها السادة الأسرى؛ من يطيق من هذا الحرِّ ما تطيقون! من عرف كيف يبني الكفار الزنازين كاد عقله يطير؛ كيف المعزولون فيها فُرادى سنين عددًا لا يؤنسهم إلا لُطف الله! أبوابٌ من حديدٍ خالصٍ، وأرضٌ وجدرانٌ وسقوفٌ بها من الحديد ما بها. مولى الموالي ذا الجلال والإكرام؛ لطِّف لهم الهواء وبرِّد لهم الماء، لم تكتمنا في عدوِّنا حديثًا؛ فاغفر لنا عجائب غفلتنا، إنما أسرانا بِضْعَاتٌ منا يُضنينا ما يُضنيهم. (الله أولى بالأسرى من أنفسهم)؛ لولا هذه عقيدةً في الله لضللنا، غدًا يقول الأسرى إذا غمسهم ربهم في الجنة غمسةً واحدةً: وحقِّك ما بئسنا قطُّ. يا ربُّ إنَّ السيلَ قدْ بلغَ الزُّبَى ** والأمرُ في كافٍ لديكَ ونونِ، جعل الرحمن ما تقاسون من الحرِّ والشدة فداءً لكم من حرِّ القيامة وشدائد النار. ألا إن صبر الأسرى ابتغاء رضوان الله شهادةٌ تدنو من الشهادة.
اللهم لا تمتني إلا سَفَّاحًا دماءً خبيثةً لزُمرةٍ نجسةٍ من طواغيت أعدائك؛ أحفر لهم أخاديد ضيقةً ثم أُوقدها نارًا لا تفور حتى لا يُعَجِّل لظاها بإحراق جسومهم فيفَنوا سريعًا؛ بل تبقيهم حتى أُسْحِتهم فيها بألوان التعذيب وصُنوف الانتقام، فأنشُرهم بالمناشير فِرَقًا، ثم أُمَشِّطُهم بأمشاط الحديد ما بين لحومهم وعظامهم، ثم أحار ما أفعل بآثارهم الوَسِخة! ثم أُصَيِّرهم إليك أرواحًا وأشباحًا فتُسَعِّر عليهم قبورهم بأنك عزيزٌ ذو انتقامٍ، ما يسيرُ فِعْلي بهم هذا إلا ثأرٌ عاجلٌ لأسيرٍ طال في الحبس أسرُه، ولأُمٍّ فُرِّق بينها وبين ولدها، وطفلٍ صار بفجور كفرهم يتيمًا، ولهائمٍ على وجهه أُخرج من بيته عَدِمَ المأوى، ومن قبلُ ومن بعدُ لدينٍ غُيِّب عن أعين الناس وجهُه الصَّبيح؛ رباه هذا مُشتهاي فبلِّغنيه.
هذي بعض هموم بني الإسلام؛ قدِّس اللهم نفوسنا بحملها حتى نلقاك.