لسانُ العينِ أفصحُ ذي بيانٍ ** فدونكَ شعرَهمْ فيها بليغا:
إنَّ المحبينَ قومٌ بينَ أعينهمْ ** وسْمٌ منَ الحبِّ لا يخفى على أحدِ
ونشكو بالعيونِ إذا التقينا ** فأُفهِمهُ ويعلمُ ما أردتُ
أقولُ بمقلتي أنْ متُّ شوقًا ** فيوحي طرفهُ أنْ قدْ علمتُ
كلُّ جريحٍ ترجى سلامتُهُ ** إلا فؤادًا رمتهُ عيناها
لوْ كنتَ ساعةَ بيننا ما بيننا ** وشهدتَ حينَ نكرِّرُ التوديعا
أيقنتَ أنَّ منَ الدموعِ محدثًا ** وعلمتَ أنَّ منَ الحديثِ دموعا
عيونٌ للسماءِ تبوحُ سرًّا ** وقدْ تغني العيونُ عنِ البيانِ
أحساسيسٌ تبدَّتْ فى نفوسٍ ** فأبدتها العيونُ بلا لسانِ
عيناكِ قدْ دلَّتا عينَيَّ منكِ على ** أشياءَ لولاهما ما كنتُ أرويها
والعينُ تعلمُ منْ عينَي محدثها ** إِنْ كانَ منْ حزبها أوْ منْ أعاديها
نظرتْ فأقصدتِ الفؤادَ بطرفها ** ثمَّ انثنتْ عني فكدتُ أهيمُ
ويلاهُ إنْ نظرتْ وإنْ هيَ أعرضتْ ** وقْعُ السهامِ ونزعُهنَّ أليمُ
فدعِ الكلامَ إذا لقيتَ عيونَها ** فالصمتُ أبلغُ ما حكى العشاقُ
أُلقي السلامَ فلا تجيبُ تحيةً ** ويجيبني في عينها الإطراقُ
لغةُ العيونِ تقولُ إنكَ عاشقُ ** فعلامَ صمتُكَ والهوى بكَ ناطقُ
لمَّا نظرتُ إلى عيونكَ أزهرتْ ** ما بيننا للياسَمينِ حدائقُ
عينايَ تخبرني بأنكَ لي هوًى ** سينيرُ روحي والشعورُ مطابقُ
فدعِ الترددَ أنتَ تقرأُ نظرتي ** وبما بعيني منْ غرامكَ واثقُ
فالدربُ يغلي كلما نأتِ الخطى ** وتفرَّعتْ منْ جانبَيهِ حرائقُ
فتعالَ قبلَ فراقِ أعيننا وقلْ ** شيئًا فما بيني وبينكَ عائقُ
ومما شجاني أنها يومَ ودَّعتْ ** تولَّتْ وماءُ العينِ في الجفنِ حائرُ
فلما أعادتْ منْ بعيدٍ بنظرةٍ ** إليَّ التفاتًا أسلمتهُ المحاجرُ
يخفي العداوةَ وهيَ غيرُ خفيةٍ ** نظرُ العدوِّ بما أَسَرَّ يبوحُ
إنَّ العيونَ التي في طرفها حَورٌ ** قتلننا ثمَّ لمْ يحيينَ قتلانا
يصرعنَ ذا اللبِّ حتى لا حراكَ بهِ ** وهنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ إنسانا
أعيدوا صباحي فهوْ عندَ الكواعبِ ** وردُّوا رقادي فهوَ لحظُ الحبائبِ
فإنَّ نهاري ليلةٌ مدلهمةٌ ** على مقلةٍ منْ بعدكمْ في غياهبِ
بعيدةِ ما بينَ الجفونِ كأنما ** عقدتمْ أعالي كلِّ هدبٍ بحاجبِ
وشُغلتُ عنْ فهمِ الحديثِ سوى ** ما كان منكِ فإنهُ شغلي
وأُديمُ لحظَ محدثي ليرى ** أنْ قدْ عقلتُ وعندكمْ عقلي
عيونٌ إذا عاينتَها فكأنها ** دموعُ الندى منْ فوقِ أجفانها درُّ
محاجرها بيضٌ وأحداقها صفرٌ ** وأجسامها خضرٌ وأنفاسها عطرُ
عيونُ المها بينَ الرَّصافةِ والجسرِ ** جلبنَ الهوى منْ حيثُ أدري ولا أدري
شعر القوم في لغة العيون لا يحاط به، وإنه على كثرته في جنبها لقليلٌ.