أعاشوراء! وفي شدة حرٍّ! ومن صُوَّامه مجاهدٌ وأسيرٌ وسقيمٌ!
“وصيام يوم عاشوراء؛ أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله”.
يا معشر من رضي بمحمدٍ ﷺ نبيًّا ورسولًا؛ هلموا، هذا نبيكم قد احتسب عند ربكم تكفير يومكم هذا صغائر سنةٍ مضت جميعًا؛ فهل أنتم محتسبون!
إن عبدًا يدري ما أحدث من الصغائر في سنته الماضية كلها، في اثنَي عشر شهرًا، في أكثر من ثلاثمائةٍ وخمسين يومًا، في الليل والنهار، في السر والعلن، في الجِد والهزل، منفردًا بنفسه ومختلطًا بالناس، صغائرِ ذنوب قلبه ولسانه وجوارحه وما أكثرها! إن عبدًا يدري هذا -وهو على نفسه بصيرةٌ- لصائمٌ اليوم حق الصيام؛ ليظفر بجليل موعود رسول الله ﷺ ذلك تامًّا غير منقوصٍ.
تجديد الإيمان بالله ﷻ والإيمان برسوله ﷺ هذا اليوم.
تجريد توحيد الله ﷻ في العبادة وتوحيد رسوله ﷺ في الاتباع هذا اليوم.
مضاعفة محبة الله ﷻ ومحبة رسوله ﷺ هذا اليوم.
تعظيم تصديق الله ﷻ وتصديق رسوله ﷺ في وعده الصادق هذا.
الثقة الراسخة بمنزلة نبي الله ﷺ عند ربه ﷻ التي بها ينجز وعده.
الاكتفاء باحتساب نبي الله ﷺ عن كل احتسابٍ.
حسن الظن بالله ﷻ: أنه عفوٌّ غفورٌ، توابٌ رؤوفٌ، برٌّ شكورٌ، رحيمٌ ودودٌ، على مغفرة كل ذنوب كل عباده قادرٌ قديرٌ مقتدرٌ، وأن هذا أحب إليه مما عَداه.
الجِد في طاعة الله ﷻ هذا اليوم بكل معلومٍ مقدورٍ؛ من العبادات اللازمة كالصلاة والاعتكاف وتلاوة القرآن والذكر الكثير، والمتعدية كالبرِّ والصلة والصدقة والدعوة، في إخلاص باطنٍ وإحسان ظاهرٍ، مع شهود العبد عجزه وتفريطه مهما كثُر خيره وكبِر، وتحقُّقِه بالذل والافتقار بين يدَي ربٍّ غنيٍّ عن كل طاعات كل مطيعيه؛ فلا اغترار بعبادةٍ، وهل يغترُّ عارفٌ خطاياه!
حاقُّ العزمة على غدٍ خيرٍ من أمس مع الله ﷻ؛ تركًا لنهيه وفعلًا لأمره.
فأما كمال تمام المقام في هذا اليوم الأغرِّ؛ فإنعاش موالاة صاحب مناسبته كليمِ الله موسى ﷺ في القلب إنعاشًا؛ بمعاداة فرعون عدوِّه بالأمس، ومعاداة كلِّ فرعون عادى كلَّ موسى وكلَّ ذي مُوسَوِيَّةٍ في الأولين والآخرين.
ربَّ الأرباب ملكَ الملوك مولى الموالي ذا الجلال والإكرام؛ بما أنجيت في هذا اليوم كليمك؛ فأنج عبادك في أكناف بيت المقدس وأمثالَهم حيث كانوا؛ فإنهم أولياء كليمك وأعداء أعدائه، وأنج عبادك الأسرى أينما كانوا، وبما مننت على الحسين ريحانةِ رسولك ﷺ بالشهادة فيه؛ فامنن بمثلها علينا محسنًا إلينا، وأنجنا وأحبابنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ إنا عبادك إنا نحبك.