معذرةُ قلبٍ إلى ربٍّ ليس

معذرةُ قلبٍ إلى ربٍّ ليس كمِثله مُفَضْفَضٌ إليه:

ما أنا بلائمٍ نفسي أن كانت تُفَضْفِض -كلَّ غلَبةٍ- إلى ودودٍ من أصفيائها؛ بالخاصِّ والدقيق، في عيبٍ أو ذنبٍ أو كربٍ؛ إني بشرٌ وإنهم نبلاء.

لكن لو أني كنت أُفَضْفِض إلى ربي؛ بمعشار ما فَضْفَضت به إلى هؤلاء!

على أن ربي كان المحيط بخاصِّي ودقيقي في عيوبي وذنوبي وكروبي خُبْرًا؛ والناس إما جاهلون بما بدا من فاقاتي أو هم متجاهلون.

وربي كان المقتدر على إصلاح عيبي وغفران ذنبي وكشف كربي، والناس -مهما استقدروا- عجزةٌ دون حاجاتهم؛ فأَنَّى يستطيعون!

وربي كان السَّتِير الذي لا يواري القبائح فحسْب؛ بل يُبْديني -مع غزارتها- في أعيُن الخَلق جميلًا بهيًّا، والناس لا يكادون يكتمون حديثًا.

وربي كان الواجد ما أراد من جلب نفعٍ ودفع ضرٍّ بكن منه فيكون، بالغًا إياه غالبًا عليه قاهرًا فوقه، والناس فقراء رأيٍ أو عملٍ أو كليهما.

وربي كان المنَّان الذي يعطي على غير استحقاقٍ وعطاءً غير مجذوذٍ، والناس إن أعطوا فلمستحقٍّ لديهم، وعطاؤهم -مهما طال- ممنونٌ.

وربي كان الجواد الذي تعرَّف أول ما تعرَّف إلى عباده في كتابه باسمه الأكرم، بلغ جودُه أن جعل دعائي إياه بتحصيل مطالبي نفْس عبادته التي خلقني لأجلها، والناس إما بخلاء مالٍ أو وقتٍ أو شعورٍ أو عملٍ.

وربي كان سُبُّوحًا قُدُّوسًا لا يُعَيِّر، والناس يُعَيِّرون، ومن لم يُعَيِّر فمعاملتَه يُغَيِّر.

وقبل هذا وبعده؛ فإن ربي كان المنفرد بمحبة إلحاحي عليه؛ في ضرورياتي وحاجِيَّاتي وتحسينياتي، لا شريك لله في محبة هذا أزلًا أبدًا.

ليس إلحاحُ العبد على ربه كلما دعاه (بنفْس كلامه.. بنفْس ألفاظه.. بنفْس أحرُفه)؛ مستوِيَ الطرفين عند الله لا هو محبوبٌ ولا هو مكروهٌ؛ كلا؛ إن إلحاح عبده عليه أحبُّ شيءٍ من لسانه إليه، وآثَرُ شيءٍ من قلبه لديه.

أن أقول لربي كل مناجاةٍ كل ما قلته له في السابقة وأنا قائلُه له في اللاحقة؛ ذلك الذي يرفعني الله به مكانًا عَلِيًّا، ويقرِّبني منه نَجِيًّا.

وألقاب الفَضْفَضة إلى الرحمن: الدعاء، والرجاء، والتذلل، والتضرع، وألقابها إلى الناس: شكايةٌ، واستجداءٌ، واستعطافٌ، ومسكنةٌ.

وإكثار الطلب إلى الناس الذي يعدُّونه رُخْصًا أَهُون به عندهم؛ يجعله الله في عليائه فوق عرشه وسمائه كمال عبوديةٍ، ويباهي بي ملأه الأسمى.

الفَضْفَضَة حيث كانت ذلٌّ وافتقارٌ؛ فأنْ يكونا من قلبي لربي أَصْوَنُ وأَزْيَنُ.

إنكم لن تُفَضْفِضوا إلى ربكم في خيرٍ من سجودكم بين يديه؛ فأطيلوا السجود عونًا عليها، أطيلوه وإنْ شيئًا فشيئًا، لا بد من تعوُّد العبيد على السجود الطويل، إنما السجود الذي يؤتي رُوحَ المؤمن أُكُلَها السجود الطويل.

صورة السجود: جسدٌ جاثٍ على الأرض، وحقيقته: قلبٌ طائفٌ حول العرش.

السجود عزُّك واستغناؤك واقترابك، فكلما أطلته زاد حظُّك من هذا جميعًا.

السجود دخول الفردوس قبل دخوله، السجود حُلول الرضوان قبل حُلوله.

السجود مشفى السماء في الأرض من عِلَل الأرواح؛ ما ظهر منها وما بطن.

السجود محطة تموين قلبك من أقوات ربك؛ كل مرحلةٍ في الطريق.

السجود الناظم ما تشظَّى منك، السجود الجابر ما انكسر فيك.

السجود المضيء ما انطفأ بروحك، السجود الماسح على غائر جروحك.

السجود سكونك الضروري عقب كل كَدْحٍ؛ في العيوب والذنوب والكروب.

السجود سِلمك بعد كل غارةٍ تشنُّها عليك الدنيا، أو تشنُّها أنت للدين.

السجود الأُنس بحضرة القدس؛ فرارًا إلى الله من كل جاذبٍ كاذبٍ.

السجود الطيران إلى سدرة المنتهى، السجود الشرف، السجود المعتصَم، السجود الملاذ، السجود المستراح، السجود الرسوخ، السجود الرُّجعى.

أضف تعليق