لست أدري يا نبي الله؛

لست أدري يا نبي الله؛ إذا صافح أصحابك المجتبَون وجهك الأزهر على حوضك الكوثر، بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم روائع بدائعهم، شاهداتٍ على فريد محبتهم وراسخ توحيدهم ومكين إيمانهم؛ ما ألقاك أنا به؟! الساعةَ يضحك فؤادي من فرَط الخيبة، باكيًا لعظيم الحسرة.

الحقُّ -يا حبيب الحق- أني فقير الطيبات وافر الخبائث؛ بَيْدَ أن بقلبي -أرجو موهبة ربي- شيئًا هو لك، يبلغ سوء ظني بنفسي موضع العِيِّ عن قول: أحبك؛ أنَّى أقولها وليس لي ما يشهد لها؟! كيف والعليم الخبير لا يدخل عليه زخرف القول ولا بهرج العمل؟! لكني أحبك، لا أعرف لي شيئًا ينهض به حرفي إليك؛ لكني أحبك، وإذ أقدر أن أصدح بها في العالمين زاهيًا؛ فإني أخفض بها صوتي عندك.

لعل آية حبي -يا نبي التوبة- أني أحب ربك الذي دللتني عليه، ودينك الذي هديتني إليه، وكتابك الذي بُعثت به، وسنتك التي هي أنت، أو لعلها مودة قلبي من والاك وبغضه من عاداك، أو لعلها رعدة روحي عند ذكر قربك، أو لعلها شدة رجائي الناس أن يتبعوك وحدك لا شريك لك في الاتباع، أو لعلها حميَّة نفسي إذ يستطيل على جنابك زنيمٌ لا يعرف أباه؛ فأشتهي سلْخه حيًّا، ما ذاك فيك شيئًا.

يا نبي الرحمة؛ لقد يزعم العبد -رخوُ التألُّه شديدُ التولُّه- زعمًا يبلغ السماء؛ لو أنك بين أظهرنا، وأدناني ذو الجلال والإكرام من بابك؛ لجئتك شاكيًا علتي التي لا تُوارى عنك، واستودعت أسراري صدرك الأمين، معانقَك حتى تطمئن روحي بسكينتك، لاثمًا جبينك حتى تأخذني من أمانك سنةٌ من نومٍ؛ لكنه يرضيك أن أعجَل بالشكوى إلى مَن بقيته الخير عز ثناؤه؛ فسأفعل لترضى، أَولى لي فأَولى.

يا أيها الماحي العاقب الحاشر المقفَّى صلَّى الله عليك؛ ذا البعيد يناجيك من وراء الحجب؛ من حيث توشك الدنيا أن تغرب والزمان على الأفول، ومن حيث يحول جفاء معصيتي دون معرفتي.

“اللهم صلِّ على محمدٍ خليلك، وسلِّم”؛ صِلني بها اللهم -من مددك- برسولك كثيرًا؛ حتى إذا سميتني عنده بها مرارًا عرفني، إيهًا حمزُ إذا عرفك البشير النذير ومرحى! لقد طابت إذًا عاقبتك.

السراج المنير سيدي؛ إذا منَّ الكريم علي غدًا فلم يسُقني مع المجرمين -بما أشبهتُهم- إلى جهنم وردًا؛ فسأركض نحو حوضك المورود حثيثًا، غير مزاحمٍ أصحابك والصديقين؛ بل قاعدًا خلف أقدامهم، متخفيًّا في أذيالهم، مشيرًا إليك من بعيدٍ قريبٍ، وإن سعة برِّك لبالغةٌ ببصرك الرحيم موقعي، فإذا تبسمت إلي ساعة عطاء الله المدهش في سماحة نفسك؛ فلأخفضن بصري خجلًا منك، فإن تعطفت بالجود مزيدًا كما هو المظنون بك؛ فسأستمنحك -على حياءٍ في رجاءٍ- شربةً من يمينك.

رسول الله؛ يُخيَّل إلي أني أبقى مواريًا عنك وجهي حتى في الجنة؛ لئن قل حيائي منك اليوم غائبًا؛ فليكثرن غدًا شاهدًا، واسوءتاه منك -حبيبنا- وإن بسط الرحمن لي في صفحك! رضيت بك.

حسبي اللهم يومئذٍ منك نظرةٌ بغفرانٍ، ومن نبيك بتحنانٍ، لا إله إلا الله أنت، محمدٌ هو رسول الله.

أضف تعليق