ليست الغيرة على المحبوب بآكد علامات المحبة؛ لكنها أقواها بنفس المحب أثرًا، وأشدها عصفًا بقلبه وعقله، حتى لتكاد تحرق منه كل عافيةٍ؛ فإنها نارٌ في الروح كاويةٌ تضطرم، وجحيمٌ في الفؤاد شاوٍ يتأجج، لا يفيق صاحبها من لسع لدغاتها حتى يغشى عليه بلدغ لسعاتها، لا تبقي ولا تذر.
ولقد رأيت من عظُمت غيرته على من يحب حتى منعته نومه وطعامه، وذهبت بعامة رصانته ورشده؛ فإذا هو هائجٌ من بعد أناةٍ، معتلٌّ بغير علةٍ، لا يبالي بكرامته عند أحدٍ وقد هانت عليه نفسه.
وكان شقاء أحدهم بغيرته نائمًا أعظم من شقائه يقظانًا؛ فكان يرى أنه يركض خلف محبوبه ثائرًا يصرخ، حتى إذا ظفر به نهش في جسده بأظفاره؛ يعاقبه على ما أظهر منه -في اليقظة- لغيره.
ألا إن في كثيرٍ من المحبة من القسوة والظلم مثل ما بها من الرأفة والشفقة، وإنها لمجتمع الأضداد.
فمن عرف قلبه ضعيفًا لا طاقة له فليجنبه موارد المحبة الخاصة؛ تلك التي تبلغ من الباطن ما تبلغ وتحيط بالظاهر ما تحيط، وليرمق مبتدآت التعلق من نفسه فيدفعها، وليتصبر بمولاه؛ فإن وجع القلب خليًّا يتأرَّق أهون من وجعه شجيًّا يتحرَّق، وبعزة الله السلامة أولًا وبرحمته المعافاة آخرًا.