أخوف ما أخاف علينا أن نتماشى مع الطغيان وإن كفرنا به، وأن نتلاءم مع الاستبداد وإن لعنَّاه؛ فإن طُول المَساس يخسِف بالإحساس، كما حذرنا ربُّنا أمةً قبلنا: “فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ”.
أيها المخلصون دينهم لله؛ احرثوا بالسُّخط أرضكم، واحفظوا جمر الحميَّة متَّقدًا في قلوبكم، وتواصوا بالغِلِّ فيما بينكم، حتى إذا باتت أحقادُكم أنفاسَكم أصبحتم نارًا تفور؛ وقودها العداوة والبغضاء، كلما أُلقى فيكم فوجٌ من عدوكم كدتم من غيظٍ تميَّزون، فلا يخفف عنهم منكم ولا هم يُنظرون.
يا أولياء الدماء؛ تهيؤوا بكل حيلةٍ ووسيلةٍ لقدرٍ مقدورٍ، “كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ”.
لا أحصُر قضاء الله في ثورةٍ؛ سيدي مليكٌ مقتدرٌ، أقداره أوفر وأوسع، وإنها لا تأتي إلا بغتةً.
واعلموا أن أخبث العبيد بينكم -اليوم- مبتغٍ إطفاءَ شرارةٍ سعَّرها الله لكم، وساعٍ في إخماد جذوةٍ واحدةٍ من جحيمكم، وإن دعاكم إلى علمٍ تطلبونه أو نسكٍ تحققونه أو إصلاحٍ تنجزونه.
ألا إن العلم هو العلم؛ بصائرُ الله الحافظاتُ عبادَه، لكنَّ طالبَ علمٍ لا ينازل الجاهلية ولدٌ لها وإن ادَّعى لغيرها، وغاية علمه أن يُعَمَّمَ جاهلًا بالله، مهما فاق في فنونه طُولًا ومَهَرَ عَرضًا.
وإن النسك هو النسك؛ حكمة الحق من الخلق، لكنَّ استدبار العابدين مقارعة الكافرين صلواتٌ في محاريب الشياطين، وشيوخه دجالون، وإن طالت لحاهم إلى السُّرر، وقصُرت قُمُصُهم إلى الرُّكب.
وإن الإصلاح هو الإصلاح؛ قِبلة رسالات السماء، لكنه بإذنٍ من فرعون خرابُ الأرض، وكلُّ ناقةٍ لا تكيد الجاهلية لعقرها فليست بناقة صالحٍ، وإن نعق في الناس: إني رسولٌ من رب العالمين!