#في_حياة_بيوت_المسلمين. إن من أدبك في

#في_حياة_بيوت_المسلمين.

إن من أدبك في نفسك وأمانتك إلى الناس وتقواك لله، إذا عبثت بأنفك أو ما يُستقبح في جسدك، وأنت خالٍ لا يراك أحدٌ؛ أن تغسل يدك التي عبثت بها قبل أن تمسَّ الناس والأشياء، وإذا كان شعرك غزير الدُّهن فلا تحُكَّه ثم تشُمَّ يدك، وأشنع من هذا أن تحُكَّ ما خفي من جسدك ثم تفعل ذلك، ولا أفظع من اقترافه بحضرة الناس تحسبهم لا يرونك، ولا تُخَلِّل أسنانك ولا تُنَقِّ أنفك وأذنك ولا تُقَلِّم أظفارك وإلى جوارك أحدٌ، ومن اضطر إلى بصقٍ أو تمخُّطٍ -وهو يأكل مع إنسانٍ- فليُكثِّر مناديله، ولا تُقبِّل زوجك بعد صحوك من قبل إجراء ريقك بماءٍ باردٍ، وإذا صافحت صديقًا أول النهار فلا تُقبِّله إلا أن تكون متمضمضًا، ومن كان مبتلًى بالبَخْر -وهو سوء رائحة الفم، ويكون بأسباب فمويةٍ أو مَعِديةٍ أو غيرها، كما يكون من طول الصمت وإغلاق الفم- فليَحترز من هذا مزيدًا حتى يشفيه الله برحمته، ولا تُدْنِ أنفك من إبطك تشمَّه والناس شهودٌ، ومن أُصيب بالشخير في نومه فلينظر أسبابه عند طبيبٍ حاذقٍ وليستعن بالله عليه، فلعله بعِزَّة الله أن يعافى، ولا تتجشَّأ بعد فراغك من طعامك والناس سَمَعَةٌ فإنه قذَرٌ شديدٌ، وأخبث من هذا من لا يبالي بإخراج الريح بين أهله، ومن ابتُلي بالقولون فليجتنب مُهَيِّجاته من الطعام والشراب، وما كرهت أن يراه الناس منك أو يسمعوه فاجتنبه -خاليًا- إن كان مما يُجتنب، ومن اعتلَّ بجريان ريقه -وهو نائمٌ- فليتخذ فوق وسادته منشفةً خاصةً تصون الوسادة عن ذلك، ولا ترفع صوتك بعُطاسٍ تظرُّفًا سَمِجًا، وأسوأ من هذا رفعُ صوتٍ في تثاؤبٍ، ومَن مرض بعلةٍ في جلده تضطره إلى حَكِّه فليتق هذا بين أيدي الناس، فإن غُلب فليغسل يده قبل مسِّهم أو مؤاكلتهم لزامًا، أما العابثون بأقدامهم وجواربهم بين أيدينا ثم هم يؤاكلوننا ويصافحوننا؛ فعالَم نِتنة، كما قال علي جمعة -أحرقه الله- في طائفةٍ من المسلمين، وإذا كنت كثير العرق فاجتنب ما يزيد العرق أو يُخَبِّثه من المطاعم والمشارب، وأكثِر الاغتسال لا تملَّ، وتطيَّب بأجود الطيب لا تُقَتِّر؛ فإن نفسك أولى بالصيانة من مالك إن كنت عبدًا جميلًا، ومن ضاق وقته أو حاله عن الاغتسال فليغسل يديه ووجهه وذراعيه وعنقه وما استطاع من جسده، ومن رجع إلى بيته كثير العرق فلا يجلس على أريكةٍ ولا ينم على وسادةٍ وسريرٍ قبل أن يغتسل مهما كان تعبه؛ فإن العرق إذا نفذ إلى الفُرُش لم يبرحها، وإذا تراكم فيها لم يكد شيءٌ يصلحها، وليتخذ له منشفةً خاصةً لا يجفف جسده بمنشفة غيره، ولا تجفف قدمك بمنشفةٍ يجفف بها غيرك وجهه، ولا تُقبِّل امرأتك ولا تعانقها ولا تمسَّها -وأنت على هذه الحال- مهما عظُمت حاجتك إليها، ولا تنفعُك التحلية قبل التخلية إذا تطيبت فوق عرقك بل تضرُّك، ولا يدخِّنُ إنسانٌ -وله زوجٌ وذريةٌ يُقبِّلهم- إلا وهو شديد الأَثَرَة (الأنانية)، وتعهَّد سُنن الفِطرة لا تبطئ بها، ولعلك أن تموت فاحِشَ الشعر فتُرَى من مُجَرِّدك الثيابَ ومن مُغَسِّلك فيؤذيك هذا، وما نزعت من شعرٍ وظُفرٍ فلا يكن على فراشك، ولا تُبْقِه على الأرض، ولا تترك أدوات حلاقة شعر الإبطين والعانة -وفيها آثار ذلك- ظاهرةً في الخلاء حيث تُرى، وهذِّب شاربك أن تؤذي به رائيك؛ كيف بزوجٍ وولدٍ تُقبِّلهما! وما تناثر من لحيتك فلك أخذُه، ولا يبالغُ رجلٌ في تنظيف جسده وتجميله؛ إلا أخجل امرأته أن تفرِّط في هذا إن كانت من المفرِّطات؛ فإن المرأة تأنف التَّزَيُّد عليها في تجمُّلها وتغار أن تُسابَق في هذا؛ كيف إذا سابقها رجلٌ! ولا تتمخَّط في حوض المطبخ ولا تبصق فيه، وإذا كثُر مخاطك فاجعله في مناديل عدَّةٍ؛ أن يصيب يدَك منه شيءٌ ثم تمسَّ بها شيئًا، ولا تبصق جوارَ مُجالسِك ومُماشِيك، وأغلق فمك وأنت تمضغ الطعام، ولا تُضِف ضيفًا في انقطاع ماءٍ أو انكسار باب خلاءٍ أو فسادٍ في صندوق طرح المرحاض أو شطَّافه، وعارٌ نسيانك استعمال صندوق الطرد بعد قضاء الحاجة في المرحاض، وإذا بُلْت قائمًا فسدِّد في المرحاض ببولك لا تتوهَّم خلاءك بستانًا مفتقرًا إلى رِيِّك، ولا تُطِل المُكث في الخلاء بغير حاجةٍ ما ساكَنك أحدٌ فلعله أن يحتاج إلى التخلي ويستحي، واحرص على تجفيف عورتك بعد التخلي؛ فإن جفاف الجلد أعْوَن شيءٍ على صحته، واجعل في كل سلة قمامةٍ كيسًا يحفظ السلة من عفن الرائحة ويَسهل رميُه بما فيه، فأما سلة الخلاء فلا بد لها من غطاءٍ وكيسٍ، ولتذكر المرأة أن حفاضات أطفالها -وإن كانت زاهية الألوان- ليست زينةً تُزيَّن بها الأحواضُ فتتركها عن يمينها وشمالها، ولا تشرب من فِيِّ زجاجةٍ إلا أن تكون خالصةً لك، ولا تأكل على سريرٍ ولا سِجَّادٍ بغير حائلٍ فيصيبهما شيءٌ من لون طعامٍ أو رائحته، ولا بأس بالتشارك بين الاثنين في الطعام الصُّلب، فأما السوائل كالحِساء ونحوه فلا؛ بل يُستحسن شربها كلٌّ في إناءٍ خاصٍّ، ومن اتسخت يده من طعامٍ فقدَر أن يؤخر شرب الماء حتى يغسلها؛ فليفعل؛ فإن هذا أرفق بأهله في غسل الماعون، وأزِل أثر الطعام من يدك قبل استعمال الصابونة لئلا يوسِّخها شيءٌ منه، وإذا أبقى أهل بيتك من الطعام نصيبًا للغد فاتركه لله؛ فإن الله رحيمٌ يحب الرُّحماء، وإن خير المسلمين خيرهم لأهله، ولا تخُض في ذكر ما يُستقذر والناس يأكلون، ولا تلبس نعلًا مبلولًا بالخلاء وأنت لابسٌ جوربك، وأقبح من هذا أن يكون في بيتٍ من بيوت الله الكريمة فتخبُث رائحته بسبب كَسَلِك الملعون؛ فإنه لم يزل يُنتن الجوارب والبُسُط والنِّعال، ومن تعلل بشدة البرد في هذا فلا أشد من نفسه برودةً، واغسل نعلك كل حينٍ، ولا تستهن باجتماع الشعر في الحوض فلعله أن يسدَّه، والراجح عدم إثم الرجل يمرُّ بالأذى في أرض بيته فيرفعه عونًا لأهله، ولا يُكثر الرجل والمرأة التعرِّي بغير حاجةٍ إلى هذا؛ فإن الأجساد غير مشتهاةٍ على كل حالٍ وحينٍ، ولا يأت الرجل إلى امرأته في التَّمَاسِّ بينهما شيئًا لم تَجْر به العادة متعللًا بجوازه؛ إلا أن يستأذنها فيه فتطيب به نفسها، ثم ينظر إذا فعل هل رضيت به أم لا، ولا تسبق شركاء الطعام إليه قبل اجتماعهم عليه؛ كيف إذا كان المطعوم محدودًا أو معدودًا! فمن فعل فهو لئيمٌ راضِعٌ، وإذا كنت في جماعةٍ وحضركم نومٌ والمكان ضيقٌ؛ فلا تسبق إلى خير المكان فتصطفيه لك من دونهم، وإن كانت وسائد الصالونات والأنتريهات مما لا يُنَجَّد؛ فلا تنم عليها كما يُنام على وسائد الأَسِرَّة، وأيُّما امرأةٍ لم تعبأ بنظافة بيتها فلا تعتِب على أضيافها إذا عاثوا فيه فسادًا، وإذا نهضت من فراشك بعد نومك فأعِدْه خيرًا مما كان عليه؛ كيف بهذا في بيوت الناس! وإن شريف النفس لا طاقة له بتنظيف الناس ما وسَّخ وترتيبهم ما بعثر، ولا تضبط أكثر من منبِّهٍ ما كان إنسانٌ نائمًا قريبًا منك؛ فإن إزعاج اليقظان مؤذٍ؛ كيف بالنائم! ولا تُضِئ مصباحًا حيث ينام أحدٌ ولو كان طفلًا صغيرًا، ولا تُصَعِّد نظرك إلى صاحٍ من نومه قبل أن يغسل وجهه إلا أن يكون غير مُبَالٍ بنفسه، وإن تحرِّي غسل الوجه بالماء والصابون قبل مخالطة الأهلين وغيرهم؛ مما لا يوصَى به لشدة بداهته، ولا تُدخل ضيفك الخلاء حتى تُخْلِيه من ثياب أهلك جميعًا، وقبل زيارة العَازِب إياك فأَخْلِ الخلاء من ثيابك التي لها عُلْقَةٌ بالزواج؛ فإن هذا أرفق بنفسه وأَنْزَه لك، ولا تخرج بثياب نومك إلى الشارع بَلْهَ (فضلًا عن) المساجد، وما كان ثوبك خفيفًا أو ضيقًا أو قصيرًا؛ فانظر كيف جِلستك بين أيدي الناس؛ أن تظهر سوأتك أو تتحدد وأنت غافلٌ، واحتسب في جميع هذا التجمُّل لله.

ذلك؛ وما وجدت خَرْقًا في نظافة بيتٍ أباح أهلُه لك دخوله؛ فاستره عليهم رأفةً وشكرًا ووفاءً، ومن ستر سُتر ومن فضح فُضح، وإنما يُكَال للعبد بما كال، ومن أمِن لك من أهلٍ وأصحابٍ فانصح له بهذه النصائح مغتنمًا أمانه؛ فإن أقل الناس يقبل الاستدراك عليه في هذا الباب، ومن عجزت عن نصحه في هذا فلك في الإشارات ما يُسْعِفُك عن العبارات، فأما الأزواج والأولاد فالنصح لهم في هذا مفروضٌ والتفريط فيه حرامٌ، وأما والداك فهما أولى الناس بنصحك في كل مكرُمةٍ؛ لكن ترفق بهما وتلطف لهما واغتنم ساعات الرضا، ومن عرفت وسواسه القهري في النظافة؛ فارحمه بشدة التحرِّي عنده رحمك الله، فإن عجزت عن هذا فلا تخالطه إلا قليلًا، ومن اعتنى بتنظيف جسده رعايةً لنفسه وللناس؛ فليكن اعتناؤه بتزكية قلبه (الذي هو مَحِلُّ نظر ربه) أولى وأولى؛ فإن نفس العبد واحدةٌ، إذا تمكن الجمال منها فاض ضرورةً عنها، “وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ”.

حبيبي؛ أنت وحدك من لا يتقزز من جسدك، نحن عنه أجانب؛ فتجمَّل جمَّلك الله.

اللهم ربَّنا السُّبوح القدُّوس السلام الطيب الجميل المتكبر المتعالي؛ جمِّل نفوسنا وأجسادنا، وأعِذنا من القبح كله؛ دِقِّه وجِلِّه، علانيتِه وسرِّه، لا إله إلا أنت.

أضف تعليق