هل أتاك حديث التحرُّش الأسود

هل أتاك حديث التحرُّش الأسود بالأطفال الأبرياء!

لو كنت لاعنًا من العُصاة معيَّنًا؛ للعنت خنزير البشر المتحرِّش بالأطفال.

برُوحٍ ظَلِيمةٍ وقلبٍ فَحِيمٍ ونفسٍ دميمةٍ وعقلٍ مخمورٍ وفطرةٍ مطموسةٍ، وفي ساعة سَخطٍ من الرحمن حرَّم عليها رحمته الواسعة كلها، وبين ظلمات مكانٍ خالٍ إلا من نظر الجبار الديان وسمعه، وابتغاءَ شهوة فرْجٍ دنِسةٍ خسيسةٍ فانيةٍ؛ يتحرَّش أحد سِباع الأَناسِيِّ بطفلٍ غَضٍّ طاهرٍ حديث عهدٍ بربه، ثم هو واهنُ النفس ضئيلُ الجسد لا حِيلة له في دفعه ولا وسيلة، فيُعابِثه الوحشيُّ في موضعٍ نزيهٍ من جسده ظاهرٍ أو باطنٍ معابَثةً رخيصةً ماكرةً، ينظر إليه بعَينَي ثعبانٍ أملسَ لا غرض له من فريسته المنشودة إلا لَدْغُها؛ غير أن من الثعابين أنواعًا غير سامَّةٍ وأولئك الأفاعي سامُّون جميعًا، ثم ينعطف عليه بجَناحَي خُفَّاشٍ يتخايلُهما الطفلُ جَناحَي يمامةٍ فيستدرجه إلى عتمة حِضنه الخبيث، وقد يكشف له سوأته أو ما لا ينبغي لِعَين الطفل النظيفة أن تراه من جُثَّته العَفِنة، أو يكشف عورة الطفل القِدِّيسة نفسُه فيمسها مسًّا فاجرًا ملعونًا، وقد يزيد الطفلَ الغِرَّ من قاذورات رِجسه فيفعل به ويفعل، وقد يكرِّر هذا بالطفل كلما خلا به عديمَ الرأفة والرحمة لا يخاف عُقباها، وقد يَعِده أو يتوعَّده ليُمْكِنه من نفسه كلما أوقد الشيطان ما بين فخِذَيه نارًا والوعد شرٌّ من الوعيد، والطفل بين يديه بريءُ العقل غافلُ القلب لا يفقه ما ينهش ذاك الثعلب المراوغ من جسده المعصوم؛ فإن الله قد نقع فطرته البيضاء يوم خلقه في حوض ماءٍ من كوثرٍ مزاجُه زمزم، فلمَّا يعرفْ (مَكَرَ وأخواتِها؛ راوَغ، وخاتَل، وخادَع، ووارَب، وداهَن، وماذَق، وراوَد)، ولمَّا يضرب في الأرض البئيسة فيَخبُر أنواع المعجونين من طينتها ما علا منها وما سفُل، وإن أشنع الظلم وأبشعه ظلم اثنين؛ ظلم من لا يعرف أنه يُظلم، وظلم من لا يقدر على دفع ظالمه؛ فكيف إذا اجتمعا في مظلومٍ واحدٍ! أم كيف تمكين الحق -جلَّ قِسْطُه- إياه من ظالمه يوم التغابن ليستوفي ثأره استيفاءً!

تحرَّش المتحرِّش مُرضيًا شهوته الوضيعة، ثم انصرف غير عابئٍ يتلهَّى، صرَف الله قلبه بأنه مذؤومٌ مدحورٌ؛ وبقيت آثار تحرُّشه الفاتكة في الطفل المهضوم ذكرًا كان أو أنثى؛ في نفسه اضطراباتٍ محيرةً شتى لا يعرف كُنْهها، وفي مخه خيالاتٍ سقيمةً تهجم عليه لا يدرك قعرها، وفي جسده نواشطَ كانت مخبوءةً خامدةً لا يعلم إلام منتهاها، وتلك أهوالٌ لا يحيط بعواقبها إذا اجتمعت عليه إلا الله.

ثم إن كان المتحرِّش شاذ العاطفة؛ عرَف الطفل بطريقه العاطفة أول ما يعرفها من قلبه شاذةً، وأحس بسبيله الشهوة أول ما يحسها من نفسه معوجَّةً، ثم قد يسلِّمه الله بعد ذلك فينسى ما وقع له من هذا كله، أو لا ينساه لكن يتجاوزه بما شاء الله له من أسبابٍ معِينةٍ، وإن الله إذا أراد العافية هيَّأ لها أسبابها وقيَّض لها دواعيها، وقد لا ينساه ولا يتجاوزه ويكون من المصيبة بشذوذ عاطفته وشهوته إلى بني جنسه بعد هذا ما يكون، فإنه لا تزال العاطفة الطبيعية الأصيلة والعاطفة الشاذة العارضة تعتلجان في نفس من لم ينس التحرُّش ولم يتجاوزه اعتلاجًا شديدًا؛ حتى تغلب إحداهما الأخرى بقوة أسبابها وضعف مغالبتها.

يا ربًّا كتب على نفسه الرحمة؛ إن عبادًا لك بيننا طيبين، صال هؤلاء الطغاة على براءتهم صغارًا، فشوَّهوا منهم ما شوَّهوا، وقد كَبِروا ذكرانًا وإناثًا يحبونك ويرجون رحمتك ويخافون عذابك، وليسوا ينكرون من عقائد دينك المُثلى ولا من شرائعه الحُسنى شيئًا؛ بل هم الراضون بك ربًّا وحَكمًا ومعبودًا، ويعترفون بين يديك بما فرَّطوا في مغالبة عِلَّتهم قليلًا أو كثيرًا، وبما قوَّاها في نفوسهم من مُحَرَّم الأقوال والأفعال؛ لكنهم يستوهبونك من رحمتك الواسعة ومن فضلك الكبير عافيةً أنت تقدر عليها، وإنهم إذ يرون الشفاء بعيدًا تراه أنت قريبًا، ليس بين وجوده عندك وبين حُصوله عندهم إلا كن فيكون، نِعم الرفيق ونِعم الطبيب.

أضف تعليق