حدَّثني -يائسًا من الهدى- عن أنواع خطاياه الجِسام، وعن كبائر تشيب لها نواصي الولدان، وأنه لا يظن توبة الله عليه وتجاوزَه عنه، وأنه جرَّب الأوبة إلى الله مرارًا فأخفق عددَ ما جرَّب؛ فقلت له:
حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً عن خطاياك كلها؛ عما ظهر منها وما بطن، عما كان بقلبك وما كان بلسانك وما كان بجارحةٍ جارحةٍ، عما جنيته في نفسك وما جنيت به على غيرك، عما حصل منها بالتَّرك وما حصل بالفعل، عما تذكر منها وما نسيت، عما انقطع منها وما اتصل.
حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً عن تعمدك لها، وعن إصرارك عليها، وكيف لم تعتبر بمواعظ الله التي والاك فيها، وعن كيفِها العظيم، وعن كمِّها الوافر، وعما لم تُحط به فيها خُبرًا.
حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً عن بواعثها الشنيعة، وعن زمانها الطويل، وعن أماكنها التي لا تحصيها، وعن حبائلها الباطنة التي مكرتها، وعن أسبابها الظاهرة التي أبرمتها.
حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً عمن أغرقتهم معك فيها من الناس؛ عمن عرَّفتهم بها وما كانوا يعرفونها، وعمن حببتها إليهم وكانوا من قبلُ يكرهونها، وعمن أعنتهم عليها بشيطانك.
حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً عن فتنتك أنت نفسَك بها، وعن سعيك الحثيث إلى مقارفتها، وعن تسويغ هواك ما قدمت يداك، وعن رضاك بها واطمئنانك إليها، وعما بين ذلك.
حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً بهذا جميعًا وبما فاتك سواه؛ سأظل أحدِّثك عن رحمة الله التي وسعت كل شيءٍ، ومهما بلغت ذنوبك بالعَرض قُرابَ الأرض وبالطُّول عنان السماء فإنها شيءٌ؛ حتى أن شيخ الجاهلية إبليس -لعنه الله- يطمع في الدخول فيها يوم القيامة، وأوسع من ذلك.
حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مرةً بهذا جميعًا وبما فاتك سواه؛ سأظل أحدِّثك عن مغفرة الله التي شملت كفر من تاب من الكافرين، وضلال من تاب من الضالين، وظلم من تاب من الظالمين، وفسق من تاب من الفاسقين؛ حتى جاء الله بهم -غنيًّا عن عذابهم- وجعلهم أولياء له ربانيين.
حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً بهذا جميعًا وبما فاتك سواه؛ سأظل أحدِّثك عن قدرة الله على كل شيءٍ، ومهما جلَّت آثامك كيفًا وجمَّت عددًا فإنها شيءٌ، ولقد سمعت الله -تباركت رحمته- يقول: “من علم منكم أني ذو قدرةٍ على مغفرة الذنوب؛ غفرت له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئًا”.
حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً بهذا جميعًا وبما فاتك سواه؛ سأظل أحدِّثك عن عقيدةٍ لا ظن فيها: ليس بينك وبين توبة الله عليك من كل ما قارفت من الخطايا؛ إلا لحظة صدقٍ في ذلٍّ في افتقارٍ تهتف فيها بسيد الاستغفار؛ “اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي؛ فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”، فإذا اطلع الله على قلبك فوجد هذه العزمة على محبته وخوفه ورجائه؛ حرَّك من نفسك ما جَمَدَ، وأنعش من روحك ما خَمَدَ، وبعث من قلبك ما هَمَدَ، وبدَّل الخطايا عطايا.
حدِّث نفسك وحدِّثني وحدِّث العالمين مليون مرةً بهذا جميعًا وبما فاتك سواه؛ سأظل أحدِّثك بحق اليقين، نداء التواب لا يأتيه شكٌّ من بين يديه ولا من خلفه: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”؛ كذب ظنك وصدق وعد الله.