#في_حياة_بيوت_المسلمين.
مما ربَّتني به الوالدة الماجدة -أبهج الله في الدارين مُهجتها- ألا أكون لعادةٍ أسيرًا.
آكُل متى أُعِدَّ الطعام، وأشرب الشاي وأتركه، وأغتسل بالماء الساخن والبارد، وأنام على وسادةٍ وبدونها، وفي ظلامٍ ونورٍ، وفي سكونٍ وصَخَبٍ، وأكوي ثيابي وأدَعُها؛ فلأمي الحمدُ من بعد الله.
ربَّتني بما ربَّتها به جدتي نوَّر الله ضريحها، وكنت على كثيرٍ من بدائع روائع جدتي في فقه النفوس شهيدًا، وكانت تقول: تذكَّروا الأسرى والمجاهدين؛ فنفعني الله بهذا في الشدة والرخاء نفعًا وسِيعًا.
في “لاظوغلي” سنة 2002؛ رأيت مشهدًا يا ليتني متُّ قبله وكنت نسيًا منسيًّا؛ دخل علينا في البادروم الذي كنا نُحجز فيه أمينُ شرطةٍ -لا رحم الله فيه وأمثالِه مَغْرِزَ إبرةٍ فما دونها- يتجرَّع كوب شايٍ، فما إن رآه أخٌ لنا حتى سأله -في خزيٍ منقطع النظير- شربةً منها، لو أَبَى هذا اللعين -يومئذٍ- مناولتَه الكوب؛ لكان أبردَ لكبدي الحَرَّى؛ لكنه -والغوثُ بالله- ناوله الكوب! قلت: قَتَل الله إِسَار العادات.
في مدرسة الإسلام والحياة ووالدتي؛ وعيت وَصَاة نبي الله -صلَّى عليه وسلَّم- لمعاذٍ -رضي الله عنه- حين وجَّهه إلى اليمن: “إياك والتنعُّم؛ فإن عباد الله ليسوا بالمتنعِّمين”، وعقلت قوله -بأبي هو وأمي-: “البَذَاذَة من الإيمان”، والبَذَاذَة التَّقَحُّل، وفقهت ما يُروى عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “تَمَعْدَدُوا، واخْشَوْشِنُوا، وانْتَضِلُوا، وامشوا حُفاةً”، وفطنت كيف جعل طبيب النفوس ابن القيِّم -رحمه الله- العادات من حُجُب القلوب عن مولاها؛ فالشكر لله بالإسلام والحياة وأمي؛ لا تكن لعادةٍ أسيرًا.