هؤلاء الذين تتواتر خصوماتهم وهم

هؤلاء الذين تتواتر خصوماتهم وهم في كل مرةٍ يُطيلون أذيالها؛ كيف قلوبهم التي في الصدور!

في سبعة أيامٍ خاض أخوكم مسألتين -لولا حق الديانة ما خضتهما- فأظلمَ من يسير “جَدَل الضرورة” فيهما صدري، وأنا بآثارهما في ضيقٍ شديدٍ؛ منشوري في الدكتور محمد مرسي -رحمه الله- وضرورة الاقتصاد فيه، ومنشوري في الرد على كاتبةٍ -هداها الله- شطَّت في مقالٍ كتبته شططًا بعيدًا.

فأما الأول فآذتني فيه طائفتان؛ الهائمون بالرجل -غفر الله له- والذين يكفرونه، وأما الثاني فإني آذيت أُناسًا فيه قبل أن يؤذوني؛ آذيتهم -غيرَ قاصدٍ- إذ لم أبين مناسبته فصاروا في فهمه حيارى لا يَعُون مراده، وآذاني أُناسٌ -في العام والخاص- أخذهم من الحدة ما أخذهم دفعًا لمنطق المنشور ولغته.

لا أرجع عما كتبت فيهما ديانةً وأمانةً؛ لكني محوت الثاني لإبهامه الشديد، وعند الله أحتسب ما لقيت -في العام والخاص- من الأذى، محسنًا بالمخالفين الظنَّ صافحًا عنهم جميعًا؛ فإنهم لم يُغلظوا لي القول إلا لحقٍّ يطلبونه، راجيًا من الله لي ولهم شهود الحق واتباعه، وأن نعدل في الغضب والرضا.

ذلك؛ ولم أمح تعليقًا واحدًا مهما بلغ فظاظةً؛ إلا تعليق أخٍ سبني سبًّا فاحشًا فمحوته وحظرته، ولقد رآني ربي أطيل الفكر قبل حظره أيهما أحبُّ لوجهه وأرضى؛ حتى إذا غلب على ظني رُجْحَان حظره حظرته مستغفرًا له، وقد كان يمر ببعض تعليقات المخالفين فيزيد في سبي؛ عفا الرحمن عنه.

ليس هذا ما كتبت له؛ بل لغاية أول ما سطرت هنا؛ هؤلاء الذين تتواتر خصوماتهم وهم في كل مرةٍ يُطيلون أذيالها؛ كيف قلوبهم التي في الصدور! لقد ضاق صدري ودَخُنَ بجدالٍ لم يطُل برأفة الله، وابتأست نفسي وكَدِرَتْ بمُلاحاةٍ حَفَفْتُها باللطف من رحمة الله؛ كيف أفئدة المحترفين المنازعات!

لو أن الله جعل قلبين في جوفي؛ لجعلت أحدهما له نَصِيعًا من كل شائبةٍ أستعينه على ذلك، وخالقت بالآخر الناس برَّهم وفاجرَهم لا تضرني مخالقتهم مع الله كثيرًا؛ لكنَّ حق ابتلاء الله في القلب أنه واحدٌ، وقد كلَّفني أن أُجرِّده لوجهه الأعلى إذ أوحِّده وإذ أعبده وإذ أعامل عباده؛ فأعنِّي ربي لا تدَعْني.

يا أولياء الرحمن؛ إنما ولاء القلوب واحدٌ؛ فاحفظوه في المؤمنين -إخوانِكم- وإن خالفتم منهم، وبراؤها واحدٌ؛ فاجعلوه في الكافرين -أعدائِكم- وإن وافقتم منهم، واعلموا أن ما ينقص بها من موالاة المؤمنين يذهب في موالاة الكافرين، وأن ما ينقص بها من معاداة الكافرين يذهب في معاداة المؤمنين.

ربنا اهدنا لأحسن الأخلاق جميعًا، “وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”.

أضف تعليق