“قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي

“قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ”؛ مريم عليها السلام.

“قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ”؛ زكرياء عليه السلام.

نحن أحق بالعجب من مريم وزكرياء عليهما السلام، فإن يكُ عجبُهما من إنعام الله عليهما بالولد وقد فقدا أسبابه الكونية؛ فإن عجبنا في كل نعمةٍ أنعم بها الله علينا وقد عدمنا أسباب استحقاقها! ما لا يُحصى.

ربِّ أنَّى أكون مسلمًا لك وهذه الأرض تكتظُّ بالكافرين؟! ربِّ أنَّى أكون من أهل السنة وهذه القبلة تكتظُّ بالمبتدعين؟! ربِّ أنَّى أكون للطواغيت عدوًّا وهذه البلاد تكتظُّ بالمنافقين؟! ربِّ أنَّى أكون طليقًا وهذه السجون تكتظُّ بالمحبوسين؟! ربِّ أنَّى أكون صحيحًا وهذه المشافي تكتظُّ بالموجوعين؟! ربِّ أنَّى أكون مستورًا بسترك الجميل -أنا المتقلِّب بين معاصيك- وهذا العالم يكتظُّ بالمفضوحين؟! ربِّ أنَّى أكون ذا زوجٍ وولدٍ ومالٍ وأصحابٍ وهذه الحياة تكتظُّ بالمحرومين؟! ربِّ أنَّى أكون عاقلًا وهذا الخلق يكتظُّ بالحمقى والمجانين؟! ربِّ أنَّى أكون آمنًا في سِربي وهذا الواقع يكتظُّ بالخائفين؟! ربِّ أنَّى أكون أنا؟!

ربَّاه الكبير الكريم؛ وجلالِك ما عصيناك مكذِّبين آلاءَك، ولا جاحدين نعماءَك، بل غرَّنا حِلمُك الطويل وسِترُك الجميل، لكنا نبوء لك بأصغر نعمةٍ وأخفاها، وكل أنعُمِك عظيمةٌ؛ سواءٌ منها مِنَنُ الربوبية وعطايا الألوهية، ونبوء بذنوبنا كلِّها، دِقِّها وجِلِّها، خطئها وعمدها، جَدِّها وهزلها، علانيتها وسرِّها، ما علمنا منها وما لم نعلم، تظل ألسنتنا تلهج بين يدي كل إحسانٍ منك: ربنا أنَّى يكون لنا ما أوليتنا من الخير ونحن من نحن؟! وتظل أفئدتنا تسمع جوابك الذي تعتقد: أنا من أنا، كذلك أنا، أفعل ما أشاء.

واسَوءتاه منك وإن عفوت، واسَوءتاه منك وإن عفوت، واسَوءتاه منك وإن عفوت، واخجلاه ربَّاه أبدًا.

أضف تعليق