#في_حياة_بيوت_المسلمين.
قال: من أبخل الناس يا أبت؛ أكرمك الله الأكرم وأكرم بك؟
قال: أعاذك الله من البخل دِقِّه وجِلِّه يا بني؛ أبخل الناس من وهبه الله ولدًا في زمان فتنٍ متواترةٍ ليس كمثلها فتنٌ، ثم ضَنَّ عليه بركعتين -جَوْفَ كلِّ ليلةٍ- يستوهب الله في طُول سجودهما نجاتَه من الفتن شهواتٍ وشبهاتٍ، وعِصمتَه من عُصَب السوء والضلال باطنًا وظاهرًا، وأن يصنعه على عينه للإسلام وأهله لا قادرَ على هذا إلَّاه تعالى، وأن يعينه على الحكمة والرَّشد في تربيته، وأن يفتح له في التوفيق في تأديبه فتحًا مبينًا؛ لا يزال يُلِحُّ على الله في نسائم الأسحار -والله أقرب قريبٍ- حتى يستجيب له.
يا بني؛ إن للتربية الصالحة أسبابًا ربانيةً وأسبابًا بشريةً؛ فأما الربانية؛ فصلاح حال الآباء والأمهات مع الله اعتقادًا وعبادةً، وتعاونهم على البر والتقوى، وتواصيهم بالحق والصبر، وحُسن المعاشرة فيما بينهم، وبذل الندى إلى الناس والتوسع فيه، ودعاؤهم لأبنائهم مخلصين تضرُّعًا وخُفيةً، والتوبة الدائمة إلى الله من التفريط في القُرُبات ومن مقارفة الآثام، وإحسان الظن به -سبحانه- أن يهَبَهم فيهم قرَّة أعينٍ، وأما البشرية؛ فتعلُّم ما يستطيعون تعلَّمه من فقه التربية، وفهم ما بين الذكران والإناث من الفروق الباطنة والظاهرة، ومعرفة أنماطهم النفسية، وما يصلح لهم في كل مرحلةٍ، والحكمة في معاملتهم بوضع الرفق موضعَه والعنف موضعَه، وإن عامة الناس جهلاء بالأسباب البشرية أو عاجزون عنها، وإن عليهم تعلُّمها والتبلُّغ بها قدْر ما يستطيعون؛ لكن الله يجبر بالأسباب الربانية كسور الجاهلين العاجزين عن الأسباب لأخرى، ويهديهم ببركاتها للتي هي أقوم؛ تبارك الله خير الجابرين.
يا بني؛ قد صارت تربية الأبناء في هذا الزمان من عَويصات الأمور، لا حول ولا قوة فيها إلا بالله العزيز الحكيم، هو مولاها والمستعان عليها وحده؛ وإنا لفي غربةٍ ليس لها من دون الله كاشفةٌ؛ أفيُدرك بعضَ ذلك ذو عيالٍ، ثم يشحُّ عليهم بركعتين لا يبرحهما يستمنح الله بهما صلاحهم! اللهمَّ اللهمَّ.