قال: أغثني أبت؛ اشتهيت معصيةً معينةً، فتهيأت لي أسبابها جميعًا فورَ اشتهائها؛ الزمان، والمكان، والوسائل، والمُعين؛ حتى قارفتها على الوجه الذي اشتهيت وزيادةً، فأي شيءٍ ذاك أغاثك الله؟!
قال: وأغاثك أبدًا بني؛ ظلمك أبوك لو كتمك في شأنك اليومَ حديثًا، يا بني؛ هذه -والله- مُرعبات العقوبات، فإن الله كما ييسر اليسرى لمن أصرَّ على اقترافها شُكرانًا ونَوالًا؛ ييسر العسرى لمن أصرَّ على اقترافها عقابًا ونَكالًا؛ كيف إذا عجَّل بتيسيرها؟! أم كيف إذا يسرها على أشدِّ وجهٍ يُسخطه؟!
يا بني؛ إن الله أرحم وأكرم من أن يفعل بعبده ذلك؛ حتى لا يبالي العبد أيَّ معصيةٍ يركبها يُسخط سيدَه بها، فلا يبالي الجبار به في أي وادٍ ألقى، يا بني؛ اليقين أن الله والاك بمواعظَ من لدنه -قبل ذلك- فلم تعبأ، واليقين أنه حال بينك وبين طاعاتٍ عرَّفك بها وأعانك عليها -قبل ذلك- فلم تكترث، واليقين أنه خلَّى بينك وبين معاصي سبقت لك عصمته منها -قبل ذلك- فلم تحفل، يا بني؛ ذلك الله الذي نَعرِف.
يا بني؛ المواعظ ضيوف الله الغنيَّة في قلوب عباده الفقراء؛ طوبى لعبدٍ كريم القلب أحسن استقبالها.
يا بني؛ ما أتاك من مواعظ الرحمن في يقظتك؛ فاقدره قدره؛ آياتٌ مَتْلُوَّةٌ تسمعها، أقدارٌ مَجْلُوَّةٌ في نفسك أو في غيرك، حتى العُطاس يشاؤه الله -رؤوفًا رحيمًا- وأنت تعصيه؛ موعظةٌ من مواعظه علا وتعالى، تقول لك: احمد الله؛ احمد الله على قوتك فلا تعص الله بها، احمد الله على عافيتك وخذ منها لبلائك.
يا بني؛ وما أتاك من مواعظ الرحمن في منامك؛ فأنزله منزلته؛ “الرؤيا” من الله مبشِّرةً أو منذرةً؛ موعظةٌ من الله تشكر لك قربك منه فتستزيد، “الحُلم” من الشيطان؛ موعظةٌ من الله تذكِّرك بُعدَك عنه فتقترب، “حديث النفس”؛ موعظةٌ من الله تكشف لك شيئًا ما بقلبك -وإنه لمَحِلُّ نظر ربك- فتراجعه.
تأملْ سطورَ الكائناتِ فإنها ** منَ الملكِ الأعلى إليكَ رسائلُ
وقدْ خَطَّ فيها لوْ تأملتَ نقشَها ** ألَا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ
يا بني؛ من أحسن ضيافة مواعظ الله والاه بأخواتها، ومن أساء نُزُلها فليستدرك، والله غفورٌ شكورٌ.