مررت بالقبور في الليل؛ فإذا حظُّ ظاهرها من سواده ظلمةٌ كثيفةٌ، فقلت في نفسي: هذا ظاهرها قد أغطشه الليل قتامةً، أمَا -والله- لو جُعل ظاهر الأرض محلًّا للموتى، وكان الليل -بعتمته- معشار ما يغشاهم؛ لكان حسبهم حسابًا؛ كيف باطنها؛ ولا فرق فيه -عند سكان البرازخ- بين الليل والنهار؟!
لقد أُوقن أن كِفْلَ أُولي الإيمان والطاعات من نور ربهم في أجداثهم؛ وافٍ عظيمٌ، لكني توهَّمت سكانها الذين هم على شاكلتي، أُولي ضعف الإيمان وغلبة الآثام، فأشفقت عليهم، وأخذت نفسي رعدةٌ شديدةٌ، يا ويحهم! ثم لم يُسكِّن قلبي إلا ضراعةٌ ذكَّرنيها ربي -علا وتعالى- لنبيه صلى عليه وسلم، ابتهل بها الرسول إلى وجه ربه الكريم في ميتٍ من أصحابه الميامين، فنسجت على منوال سيدي تأسِّيًا، قلت: يا نور السماوات والأرض؛ قد أصبح عبادك بنو عبادك بنو إمائك فقراء إلى نورك، وأنت غنيٌّ عن عذابهم؛ فنوَّر لهم قبورهم بضياءٍ من لدنك غيرِ ممنونٍ، إحسانًا إليهم ومنةً عليهم لا أنهم مستحقون.
لا أدري! لعلي كنت أدعو لنفسي فيهم، أقدِّم لها برجاء الله ما أخَّرتُ عنها؛ رباه أدركنا قبل ليل اللحاق.