قال: أراك تحذِّرني مطالعة الشبهات يا أبت؛ أولسنا على الحق المبين؟!
قال: بلى يا بني؛ دينك الحق وحده لا شريك له بين أديان الأرض الباطلة جميعًا، وما حذَّرتك مطالعة الشبهات مخافة قوتها، بل مخافة ضعفك؛ ما حظك -يا ولدي- من هذا الدين علمًا وعملًا؟ ما نصيب قلبك من الطمأنينة به واليقين فيه؟ ما قسْم عقلك من الثقة به والتمكن فيه؟ ملأني الله وإياك بالإسلام.
قال: قد وعيت هذا -يا أبت- رضي الله عنك؛ فهل لشيءٍ سواه تحذِّرني؟
قال: أجل يا ولدي؛ لن يختار العبد الذنب والعقوبة جميعًا، له اختيار الذنب ولله اختيار العقوبة، يختار العبد في الذنب خمسًا؛ نوعه، وقدْره، وزمانه، ومكانه، وأسبابه، ويختار الله في العقوبة خمسًا، نوعها، وقدْرها، وزمانها، ومكانها، وأسبابها، وكم من عبدٍ جعل الرحمن عقوبته في دينه! يحول بينه وبين قلبه، فتُعسَّر عليه الطاعة، أو تُيسَّر له المعصية، أو تتمكن منه الشهوة، أو تدخل عليه الشبهة، وتلك -وربِّ أبيك وربِّك- العقوبة لا عقوبة مثلها، ولذلك أحذِّرك -ونفسي- مطالعة الشبهات؛ ثبتنا الله.
إلا عبدًا يدفعها عن الناس، وهو جادٌّ في أسباب النجاة الباطنة والظاهرة.