#في_حياة_بيوت_المسلمين.
إني والله لأحسد أمًّا وأبًا لهما طفلٌ متوحِّدٌ أو معتلٌّ بأي علةٍ عقليةٍ، أحسدهما حقًّا من وجوهٍ ربانيةٍ وبشريةٍ كثيرةٍ؛ فأما الربانية؛ فما خصَّهم به الله من هذا البلاء الشديد المديد، وما أدراكم ما الرُّزء في ثمرات الأفئدة؟ أم كيف به إذا كان في عقولهم؟ كذلك ما يحقِّقهم به -سبحانه- من أنواع العبادات فيعرِّضهم بها لصنوف الأجر، مع ما يُسقطه عنهم -تعالى- من مؤنة التربية بإسقاط التكليف عن أبنائهم؛ بضعف عقولهم أو ذهابها، ولو لم يكن لهم في بلائهم هذا؛ إلا أنهم لا يسألون عنهم -يوم التغابن- سؤال عامة آباء العقلاء المكلفين عنهم؛ لكفى، وأما البشرية؛ فما يفيض الله على قلوبهم من الرأفة والرحمة والرفق والتحنان، وعلى عقولهم من النظر والتأمل والفهم لصفات الله وآثارها في حياة أبنائهم، وعلى نفوسهم من الصبر والاحتمال والأناة والحِلم والجلادة؛ إنه لقدَرٌ لو يفقهون كريمٌ.
قال قائلٌ منكم: هذه حروفٌ رومانسيةٌ أجنبيةٌ تجود بها عاطفة من لم يجرب مواساةً وتسليةً! قلت: لا والله؛ قد تصدق علينا ربنا المنان -علا وتعالى- ببلاء أخي الأكبر “حذيفة” في عقله “ضمور المخ” منذ أربعين سنةً إلا قليلًا، صورة شقيق روحي وحديث أنفاسي بأول تعليقٍ؛ الله خليفتي عليك يا حذيفة يرعى روحك وجسدك حفيظًا مقيتًا، هو أولى بك مني ومن والديك ومن العالمين برًّا رحيمًا، واشْوِ اللهم بجهنَّمك لحوم من حالوا بيني وبين رعايته، وحرَّموا علي عينيَّ الاستضاءة بإشراق وجهه الحبيب.
إني لأحلف بالله؛ ما ذقنا نعيمًا بعد الإسلام أطيب من حذيفة، ويحسب الناس أنا المحسنون إليه! هو والله المحسن إلينا المتفضل علينا، ليت ربي الوهاب يبسط لي مقامًا أوسع من هذا؛ فأحدثكم بأعاجيبَ من ألطافه الحِسان أصابنا بها من لدنه في حذيفة؛ حذيفة، ما حذيفة؟ وما أدراكم ما حذيفة؟ قطعةٌ من نهارٍ وضَّاءٍ طلع -ساعةَ رضاءٍ- على بياض نهر لبنٍ في الجنة لم يتغير طعمه، إنا لننظر إليه -الآن- ساكنًا بعد حركةٍ عظُمت وطالت ثلاثة عقودٍ، ساكتًا لا يتكلم بعد حياةٍ ملأها كلامًا شهيًّا وصخبًا نديًّا، ننظر إليه كذلك؛ فنبكي بكاءً يهدُّ أفئدتنا هدًّا، نتذاكر عقود الحركة الطائشة والحديث الزاعق فنأسى.
يا معشر من جاد الكريم عليهم بهذا؛ أُعيذ قلوبكم بالله أن تحسب السعة ضيقًا، وعيونكم أن تشهد اللطف هَمَلًا، وأن تستغرقكم الشهادة فلا تستشفُّوا الغيوب؛ “طفلٌ متوحِّدٌ في البيت صخابٌ يدور؛ عطاءٌ من الله لأهله غيرُ محظورٍ”، “طفلٌ يابسٌ في مكانه لا يكاد يُبين، رأفةٌ خالصةٌ من خير الراحمين”.
احمدوا الله حمدًا كثيرًا، واستعينوا به بكرةً وأصيلًا، وأبشروا في القبض ببسطٍ مزيدٍ، واذكروا ما يدفع الله عنكم من أنواع مِحَنٍ أعمَّ وأطمَّ، وتصبروا؛ متعكم الله بهم في جواره على الكمال والتمام.