حدِّثوا الناس عن اللات والعزى وأصنام الجاهلية لزامًا؛ فإن الله حدثنا عنها، وأنبأنا رسوله -صلى عليه وسلم- أنه “لا يذهب الليل والنهار؛ حتى تُعبد اللات والعزى”، لكن تخرسون عن أصنام العصر التي لم تُعبد أصنام الجاهلية الأولى كما تُعبد اليوم! فأنتم جهولون أو دجالون؛ عليكم من الله ما تستحقون.
حدثوا الناس عن صنم الدولة الحديثة المعبود -كَرْهًا- من دون الله نظرًا وعملًا؛ ربِّ الجاهلية الجديدة الأكبر وإلاهِها الأعظم؛ يُدعى إلى شرائعه، ويُعبَّد لسلطانه، ويُجنَّد في سبيله؛ ترغيبًا وترهيبًا.
حدثوا الناس عن صنم الدولة الحديثة المخلوع عليه كلُّ ما للإله الحق -سبحانه وتعالى- من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، له الحكم في الناس وإليه يَرجعون! حتى إذا سفك سَدَنَتُه من الدماء ما سفكوا، واستبدوا بالثروات ما استبدوا، واستذلوا من الأحرار من استذلوا؛ لم تجد الجماهير المسُوقة إلى الجحيم -بفرط تغوُّل مكانة الدولة في قلوبهم وعقولهم- حرجًا فيما اقترفته جميعًا؛ بل يقول قائلهم: إن الذي يفعل ذلك كله هو الدولة، يراه -وقد طمسوا بطول الذلة بصيرته، وخسفوا بإيلاف القهر فطرته- حقًّا لها، بما أوتيت من بأس المُلك وسطوة النظام؛ ذلك والله الكفر الأكبر وذلك الشرك العظيم.
حدثوا الناس عن أوثانٍ لم تُعبد أوثانٌ قبلها مثلها؛ مؤسسات النظام الدولي العسكرية والاقتصادية والسياسية والاستخباراتية والأمنية، حدثوا الناس عن أصنامٍ لا أضرَّ على دين الجماهير ودنياهم منها؛ الشركات المتعددة الجنسيات ووكالات الأنباء العالمية والمؤسسات الإعلامية؛ تلك والله الأوثان.
حدثوا الناس عن أوثان الدساتير والقوانين والأنظمة والسياسات التي تَحيق بما ظهر منهم وتحيط بما بطن، وعن طواغيت كل ذلك الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد؛ ذلك والله حق التوحيد.