منشورٌ خاصٌّ بالسادة المتدبرين كلامَ الله.
“قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ”.
في هذه الآية من الترغيب مثلُ ما فيها من الترهيب؛ فأما الترغيب فإن الله -علا وتعالى- بعدما ذكر من جنايات المشركين -في الأنفال- ما ذكر؛ عقَّب بهذه الرحمة العظيمة، وتأمل الآيات قبلها لتشهد.
“ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ”.
“قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ”.
“إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ”.
“وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُم مُّعْرِضُونَ”.
“وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ”.
“وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَآ ۙ إِنْ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ”.
“وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”.
“وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوآ أَوْلِيَآءَهُ”.
“وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً”.
“إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ”.
سبحان الغني عن العالمين! لو لم يكن الله عليًّا كبيرًا؛ ما عرَض عليهم رحمته وبواسطة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وقد حكى عنهم من دواهي الكفر ما حكى، وسعت رحمة ربنا وهو الغفور الودود.
وأما الترهيب في الآية؛ فإنه من لم تسعه هذه الرحمة العجيبة -يوم القيامة- من المسلمين فدخل النار؛ فهو الشقي حقًّا، إذ لا تبلغ جنايات مسلمٍ -مهما جلَّت وجمَّت- جنايات المشركين التي سلفت، فإذا لم يتعرَّض لرحمة الله بالتوبة من آثامه وقد عرَّفه الله بها هكذا؛ فلا أبأس منه عبدًا، اللهم سلِّم سلِّم.