لما سقط من الشيوخ من

لما سقط من الشيوخ من سقط بمداهنة الطواغيت؛ قلت للشيخ رفاعي سرور -رحمه الله-: إيه اللي بيحصل يا مولانا؟ قال لي -وهو يتمزق ألمًا-: متستغربش يا أخ حمزة؛ الدعوة بتمر بالفصول الأربعة، واحنا في خريف الدعوة، زمن سقوط الأوراق الجافة، الأوراق المنقطعة عن المَيَّه، والمَيَّه الوحي.

الشرع المقدس يا عدو نفسه؟!

الشرع المقدس يا عدو نفسه؟!

ويلك! ما أهون شِرْعَة الحليم على مثلك!

كل حرامًا ما شاء بطنك؛ لكن لا تُسَمِّ الرحمن عليه.

“لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ”.

كذلك السقوط يا عباد الله؛ لا اختيار لأصحابه فيه ولا حد، آخره قعر الهاوية.

لا إله إلا الله الملك،

لا إله إلا الله الملك، آمنا به وحده حكمًا.

بعد خبرٍ قرأته عن إعدام بقايا الطهر في ديار العهر:

أيُّ لعنةٍ من جبار السماوت والأرضين فوق لعنة منصب المفتي؟!

أيُّ كفرٍ رآه الديان -في قلبه الأسود- حتى يخلِّي بينه وبين عبادة الطاغوت هكذا؟!

ما يصنع هذا الفاجر -شوى الله لحمه بالنار- بهذه الرقاب التي تُشنق بفتاواه الملعونة يوم التغابن؟!

ما ينفعه ملءُ الأرض ذهبًا يوم تخطف الملائكة روحه؟ كيف وحظُّه منهم حطامٌ؟

ليس هذا الحقير وحده، بل كل مفتٍ مثلِه باء بمثلها في كل أرضٍ.

خلَّدكم القهار -بما أوقدتم أفئدة الأمهات- بأمكم الهاوية.

القيامة تجمعنا، وإنها لضرورةٌ عظمى.

مرة بقول لسيدنا الشيخ رفاعي

مرة بقول لسيدنا الشيخ رفاعي سرور -الله يرحمه- عن فلان من المشايخ اللي كان بدأ يغرز في الطين أول ما ظهر في الإعلام؛ قلت له: طب ليه ميرجعش يا سيدنا تاني لرشده ويرتب أوراقه؟ قال لي: الشهرة دي -يا أخ حمزة- عاملة زي الهيروين؛ أول شمة ببلاش، وبعدين هو هيرجع يتعاطى تاني.

أيها المحبون مولاهم وإن عصوه

أيها المحبون مولاهم وإن عصوه كثيرًا، المبتغون رضاه وإن تقلبوا طويلًا؛ تعالوا.

من بديع كلام الإمام الجُنيد -رحمه الله- قولُه:

الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرةً، والمرائي يثبت على حالةٍ واحدةٍ أربعين سنةً.

قلت: تحقيق هذا -آمنَكم الله- من وجوهٍ ثلاثةٍ:

الأول: أن الصادق هو المستقبل وجه الله -سبحانه- في عمله، وهو -مع جدِّه واجتهاده في عمله- لا يرى ربه، فإذا زاد إيمانه في قلبه -بأسباب زيادته- عظُم إقباله على الله حتى لكأنه يراه، وإذا نقص إيمانه في قلبه -بأسباب نقصه- ضعُف إقباله على الله حتى لكأن الله لا يراه، تعالى الله خبيرًا بصيرًا. أما المرائي فهو المستقبل -في عمله- وجوه الناس، ولا يزال الناس شهودًا شاهدين، لا يغيبون عنه ولا يغيب عنهم، بل يجتمع بهم في عامة حياته، فهو على حالةٍ واحدةٍ -بينهم- من استقامة ظاهره.

الثاني: أن تسلط النفس والشيطان على الصادق أشد من تسلطهما على المرائي؛ فإن الصادق لا يزال يحمل نفسه -مجاهدًا شيطانه- على معالي الأمور وينأى بها عن سفسافها، وذلك سَجنٌ لها في التكاليف فوق سَجنها في الجسد، فهي تتفلت منه -بعون الشيطان- آناء الليل وأطراف النهار. أما المرائي فحَسْبُ نفسه وشيطانه منه ما هو فيه من فساد الحال، لذلك لما قالت اليهود لعبد الله بن عباسٍ -رضي الله عنهما-: إن الشيطان لا يوسوس لنا في صلاتنا. قال: “وماذا يفعل اللص في البيت الخَرِب؟”.

الثالث: أن تقلب القلوب بعامةٍ سريعٌ شديدٌ؛ كيف بقلوب الصادقين؟ وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنما القلب من تقلبه؛ إنما مثل القلب كمثل ريشةٍ معلقةٍ في أصل شجرةٍ؛ يقلبها الريح ظهرًا لبطنٍ”، وقال -صلى الله عليه-: “لَقلبُ ابن آدم أسرع تقلبًا من القِدْر إذا استجمعت غليانًا”، وكان جُلُّ قسمه -عليه السلام-: “لا ومقلبِ القلوب”، وكان دعاؤه -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا: “يا مقلب القلوب؛ ثبت قلبي على دينك”. أما المرائي فإن قلبه -باستقبال وجوه الناس وآثار ذلك- في شغلٍ عن التحول.

بقيت إشارةٌ في كلام الشيخ إلى قيدٍ وبشرى:

فأما القيد؛ فإن قوله في المرائي: “يثبت على حالةٍ واحدةٍ أربعين سنةً”؛ دالٌّ على أنه لم يعن الرياء العامَّ الذي لا يزال يعرض للصادقين -من نفوسهم- فيدفعونه، بل هو -عِياذًا برحمة الله ولِياذًا بعافيته- رياءٌ خاصٌّ بأهله، يغدون به في الناس -مقيمين عليه- ويروحون.

وأما البشرى؛ فهي للشاكِين -من المحبين ربهم- تقلب قلوبهم كثيرًا، الظانين أنهم -بكثرة عثراتهم- على شفا هلكةٍ وأنهم منافقون؛ فنقول لهم -إرغامًا لأنوف الشياطين-: بل كذلك الصادقون؛ الذين يستقبلون وجه الله وحده -لا وجوه الناس- فيذكرونه حينًا وينسونه حينًا، وتتسلط نفوسهم والشياطين عليهم ما لا تتسلط على غيرهم، وتعرض الفتن لقلوبهم ما لا تعرض لسواهم.

أيها المؤمنون؛ ما بقيتم تقومون كلما عثرتم فأنتم محسنون، وما لقيتم ربكم تسيرون إليه فإنكم ناجون.

لا يأسى عامتنا على موت

لا يأسى عامتنا على موت الأجداد؛ كأنما نستكثر عليهم نصيبهم من الحياة.

كنت أحسب أن جدتي أولى الناس بالحياة وفاءً لطول عيشها فينا؛ ما أحمقني!

قبيحةٌ هي الدنيا؛ يعلمك أهلها -الذين هم أقبح منها- ما يجب أن تموت جاهلًا به.

أن تبسط لمن تحب القول

أن تبسط لمن تحب القول في محبته فتصلَ قلبَه؛ خيرٌ من أن تبسط له القول في مدحه فتقطعَ عنقَه، ألم يأتك نهي الله ورسوله عن المدح؟ أما أَرَتْكَ الحياةُ عصفَه بنفوس الكبار؟ كيف هو بالمساكين أمثالنا؟!

قال أحدهم -يبغِّض إلى الناس

قال أحدهم -يبغِّض إلى الناس الغناء-: ليس في الغناء لذةٌ.

قلت: شكر الله له كريم قصده؛ لكن في الغناء لذةٌ من وجوهٍ كثيرةٍ؛ معانٍ ومبانٍ وأصواتٌ وألحانٌ.

لولا لذاتٌ فيه يَخبرُها الله ورسوله وعباده الأصحَّاء؛ ما وُعِدَ أهل الجنة بغناء الحور العين فيها.

فيا لذةَ الأبصارِ إنْ هيَ أقبلتْ ** ويا لذةَ الأسمــــــاعِ حينَ تكلَّمُ

قال يحيى بن أبي كثيرٍ -رحمه الله- في تفسير قول الوهاب -علا وتعالى-: “فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ”؛ قال: الحبرة: اللذة والسماع.

وروى البيهقي -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “إن في الجنة نهرًا طول الجنة؛ حافَّتاه العذارى قيامٌ متقابلاتٌ، يغنين بأحسن أصواتٍ يسمعها الخلائق، حتى ما يرون أن في الجنة لذةً مثلها”، قالوا: يا أبا هريرة؛ وما ذلك الغناء؟ قال: “إن شاء الله التسبيح، والتحميد، والتقديس، وثناءٌ على الرب عزَّ وجلَّ”.

تأمل يا أرضاك الله؛ عذارى متقابلاتٌ، على حافتي نهر الجنات، يغنين بأندى الأصوات، على ذي الجلال والإكرام مثنياتٍ؛ يا إبهاج نعيم الله!

أيا فيروز يا نازكُ أبطئا، يا أم كلثومٍ يا ليلى تأخرا، يا أسمهان يا نجاة أقصرا، يا منيرة يا سعاد تقهقرا؛ بَطَلَ بهرجُ الحُسن هنا في حضرة حقِّه هناك.

وروى الطبراني -رحمه الله- عن أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الحور في الجنة يتغنين، يقلن: نحن الحور الحسان، هدينا لأزواجٍ كرامٍ”.

وروى -رحمه الله- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصواتٍ، ما سمعها أحدٌ قطُّ؛. إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قومٍ كرامٍ، ينظرن بقُرَّة أعيانٍ. وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنَّه”.

“ألا نحن الخالدات فلا نموت أبدًا، ألا نحن الناعمات فلا نبأس أبدًا، ألا نحن المقيمات فلا نظعن أبدًا، ألا نحن الراضيات فلا نسخط أبدًا؛ طوبى لمن كنا له وكان لنا”.

بألحان الفراديس العلى؛ لا عبد الوهاب ولا فوزي ولا بليغ ولا الأخوان رحباني، ولا غير هؤلاء هناك؛ قُضِيَ في الجمال بمحضه وضلَّ هنالك الزائفون.

اللهم غناء حورٍ عينٍ، في روضات طربٍ، على خمرٍ لذةٍ، بأيدي ولدانٍ مخلَّدين.

فإن قال قائلٌ: فإني أحب من الدنيا سماع فلانٍ وفلانةٍ، وأرجو أن أُنعَّم بأصواتهم في الجنة؛ فإليك ما رُوي عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: “فى الجنة شجرةٌ على ساقٍ، قدْرُ ما يسير الراكب فى ظلها مائة عامٍ، فيتحدثون فى ظلها، فيشتهى بعضهم، ويذكر لهو الدنيا، فيرسل الله -عزَّ وجلَّ- ريحًا من الجنة، فتحرك تلك الشجرة بكل لهوٍ كان فى الدنيا”.

“لَهُم مَّا يَشَآؤُونَ فِيهَا”؛ ذلك وعد الرحمن، وإن دنا ذوقك -في الدنيا- صانك الله وزانك؛ فكنت ممن تطربه إليسا! أو يروقُه عمرو! أو تسره نانسي! أو يعجبه منير! ويا لله عجبٌ لا ينقضي!

ليس غناء الحور العين وأزواج المؤمنين -في الجنة- وحده نعيمَ أسماع أهلها؛ بل روى ابن أبي الدنيا -رحمه الله- عن محمد بن المنكدر -رحمه الله- قال: “إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان؟ أسكنوهم رياض المسك، ثمّ يقول للملائكة: أسمعوهم تمجيدي وتحميدي”.

وفي راويةٍ أخرى عن مجاهدٍ -رحمه الله-: “وأخبروهم ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون”.

بل إن لذة صوت نبي الله داود -صلى الله عليه- لتشغل أهل الجنة عن لذاتهم؛ روى عبد الله بن الإمام أحمد -رحمهما الله- عن مالك بن دينارٍ -رحمه الله-: في قول الله -تقدَّس-: “وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ”؛ قال: يقيم الله -سبحانه- داود عند ساق العرش، فيقول: “يا داود؛ مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم، فيقول: إلهي؛ كيف أمجدك وقد سلبتنيه في دار الدنيا؟ فيقول الله -تبارك-: فإني أرده عليك، فيرده عليه، فيزداد صوته، فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة”.

مزامير أنسٍ، في مقاصير قدسٍ، بألحان توحيدٍ، في رياض تمجيدٍ؛ سبحانك اللهم ما أوفى البهاء!

بل إذا سمعتم ثَمَّ سمعتم هناك قراءة الملك العظيم كلامه الكريم؛ يا جلال كبرياء ذي الملكوت! روى أبو الشيخ -رحمه الله- عن عبد الله بن بريدة -رضي الله عنه- قال: “إن أهل الجنة يدخلون كل يومٍ مرتين على الجبار -جلَّ جلاله- فيقرأ عليهم القرآن، وقد جلس كل امرئٍ منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والزمرد، فلم تقرَّ أعينهم بشيءٍ ولم يسمعوا شيئا قطُّ أعظم ولا أحسن منه، ثم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين قريرةً أعينهم إلى مثلها من الغد”.

يسمع أحدنا -اليوم- كلام الله يتلوه عبده المنشاوي -ملأ الله قبره نورًا- فيذهل عن نفسه وعن الدنيا كلها؛ يعرج بك صوت الشيخ ممزوجًا بصدقه إلى أرض الجنة لا شيء دونها، كيف بسماعك إياه -نورًا مبينًا- من فوق سقفها؟ ما سقفها إلا عرش الرحمن، وفوق العرش مليكه الكبير، يتلو -حميدًا مجيدًا- من آياته على زواره؛ فيحبر أرواحهم حبورًا، ويعمر قلوبهم سرورًا.

لا إله إلا الله الغني المنان؛ عطاءَك ربَّنا الذي بغير حسابٍ؛ هبْنا بغوثك من فيوضه حظًّا كريمًا، وأدرجنا به في حواشي السعداء، فنُستر في أكنافهم فقراءَ الحسنات؛ تتصدق علينا -ساعةَ سعةِ المغفرةِ- مما أنلتهم؛ فنُدهش برحمتك، ونقول: مولانا؛ نحن نحن وأنت أنت، لا إله إلا أنت.

قيل: أحلامنا تزنُ الجبالَ رزانةً

قيل:

أحلامنا تزنُ الجبالَ رزانةً ** وتخالنا جنًّا إذا ما نجهلُ

وقيل:

ولي فرسٌ للحلمِ بالحلمِ ملجمٌ ** ولي فرسٌ للجهل بالجهلِ مسرجُ

وقيل:

قومٌ إذا قوبلوا كانوا ملائكةً ** حُسنًا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا

وقيل:

تدرَّعوا العقلَ جلبابًا فإنْ حميتْ ** نارُ الوغى خِلتَهمْ فيها مجانينا

وقيل:

بالسيف حيناً والهوادة تارة——– والحلم أخرى دون أي رياء
لله لا لنفوسهم قد أخلصوا——– قد سربلوا الإسلام بالسيراء
أنت العظيم من المناحي كلها——–يامنقذ المعمورة السجواء
“سلماً”و ” حرباً حكمة وسياسة”——–“نبلاً” جمعت بأبهج الأزياء

وقيل:

ولا نحالفُ إلا اللهَ من أحدٍ غير السيوفِ إذا اغْرَوْرق النَّظَر
ُ أما العدو فإنا لا نلينُ لهم حتى يلين لضرس الماضعِ الحَجَرُ

وقيل:

وقد حلمنا قديما كي نبينكم .. حقيقة سفرت عريانة الحجبِ

واليوم غضبة أحرار وليس لها .. من هدنة أو يعود السيف بالأربِ

وقيل:

وما هوَ إلا الوحيُ أو حدُّ مرهفٍ تُمِيلُ ظُباهُ أَخدَعَيْ كُل مَائِلِ
فهذا دواءُ الداءِ من كلِّ عالمٍ وهَذا دَواءُ الدَّاءِ مِنْ كُل جَاهِلِ